الحدث الأبرز كان خليجياً، فبعد الاستقبال المميز للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في كل من دولة الإمارات والسعودية، كثر الكلام عن مبادرة فرنسية سعودية تجاه لبنان ترجمت باتصال هاتفي مشترك من الرئيس الفرنسي والأمير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وصفه الإعلام السعودي «بالاتصال الحلم»، وفسره المراقبون بعملية تطبيع للعلاقات السعودية اللبنانية.
تبع ذلك الإعلان عن جولة خليجية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ازدحمت فيها البيانات المشتركة التي دعت لإجراء إصلاحات جذرية في لبنان، وألا يكون لبنان مصدر تهديد لأمن دول الخليج، وضرورة تنفيذ القرارات 1559 و1701 وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، في إشارة إلى سلاح حزب الله.
بالنسبة لما سمي «المبادرة الفرنسية السعودية تجاه لبنان» فهي لا تعدو كونها عن التقاء مصالح دول على حساب دول أخرى:
أولاً- المصلحة الفرنسية: الرئيس ماكرون وبعد إخفاق مبادرته الأولى في لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت 4 آب 2020، وجد نفسه أمام فرصة تحقيق رأب الصدع الذي أصاب العلاقات السعودية اللبنانية ما يمكنه من استثمار نتائجه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة.
ثانياً- المصلحة السعودية: ولي العهد ابن سلمان ومنذ حادثة اغتيال الخاشقجي، يعاني عزلة سياسية أوروبية أميركية، إضافة إلى عدم تمكنه من تحقيق أي من أهداف حربه على اليمن، وإلى تزايد الهجمات الحوثية في العمق السعودي، لذلك يرى ابن سلمان أنه من المصلحة بمكان التجاوب مع مبادرة رئيس دولة أوروبية بوزن فرنسا فقط من أجل فتح كوة في جدار العزلة الأوروبية ولو كانت فرنسية.
ثالثاً- المصلحة الأميركية: مما لا شك فيه أن إدارة الرئيس بايدن اتخذت قراراً بتخفيض مستوى الانخراط بملفات المنطقة إلى الدرجات الدنيا، ترجم بقرار سحب أنظمة الدفاع الأميركية من السعودية، تلاها الانسحاب الصادم من أفغانستان ثم العراق، إضافة إلى رغبة أميركية جامحة في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران ما أحدث فجوة في جدار الثقة بين دول الخليج والجانب الأميركي وهذا ما يفسر خطوات دول الخليج المتهالكة على التطبيع مع العدو الإسرائيلي، كمظلة أمنية بديلة من الولايات المتحدة، الأمر الذي يفسر حرب ابن سلمان متسلحاً برفع أسعار النفط الذي أصاب الإدارة الأميركية بالذهول لخطوة ابن سلمان التي جاءت كرد سعودي على تمنع بايدن عن استقباله في واشنطن، أو الرد على مكالماته الهاتفية أو لقائه في قمة المناخ، في حال حضور ولي العهد السعودي.
في ظل قرار الانكفاء عن المنطقة ترى إدارة بايدن أن هناك مصلحة أميركية بإعطاء الرئيس الفرنسي تفويضاً أميركياً للتحرك ضمن هامش معين، ترجم بلقاء ماكرون مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ثم مع ابن سلمان، وذلك لتعويض الفرنسيين بعضاً مما خسروه جراء إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا والتي قدرت بـ66 مليار دولار نتيجة الفيتو الأميركي على تلك الصفقة.
لقد نجح ماكرون بإبرام عقود وصفقات مع الإمارات والسعودية قدرت بحوالي 44 مليار دولار، إضافة إلى 27 ملياراً قيمة العقد الذي أبرم بين الحكومة العراقية وشركة توتال الفرنسية للتنقيب عن النفط العراقي، كل هذا يعطي ماكرون مكسباً شخصياً لتجييره في الداخل الفرنسي وخصوصاً أن تلك الصفقات أمّنت أكثر من عشرة آلاف فرصة عمل في فرنسا حسب ماكرون.
أما بالنسبة للمبادرة الفرنسية مع السعودية تجاه لبنان فبرغم أن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، كانت بمنزلة سُلّم فرنسي لتمهيد عملية النزول السعودي من أعلى الشجرة، بيد أن توصيف الإعلام السعودي للاستقالة «بالخبر العاجل غير المهم» أطاح بكل الآمال التي بنيت بعد اتصال ابن سلمان مع الرئيس ميقاتي ليتبين أن لا أساس لها، لأن المطلوب سعودياً من لبنان هو أشبه بالبناء على رمال متحركة من شأنه إضعاف موقع الرئاسة الثالثة وبالتالي ترك المكون السني في لبنان أمام خيارات مرة، إما الانتقال إلى الحضن التركي الأردوغاني أو إلى الإرهاب الداعشي.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان كشف حقيقة المراد السعودي من لبنان حيث قال:
إن المشكل مع لبنان ليس بتصريح وزير إنما بهيمنة حزب اللـه على القرار السياسي في لبنان.
إذاً المشكلة أعمق من تصريح أو استقالة وزير لبناني، فالسعودية تعتبر أن حزب اللـه أصبح قوة إقليمية وصاحب الإدارة والقرار الفعلي لكل فصائل المقاومة في المنطقة بدءاً من لبنان وفلسطين واليمن والعراق، الأمر الذي بات يهدد مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني.
إذاً فالمشكل الحقيقي يكمن بطلب سعودي تنفيذ انقلاب يقضي بتغيير قواعد اللعبة في لبنان، وبنسف لصيغة العيش اللبنانية، وهذا الطلب غير قابل للتنفيذ لأنه عبارة عن افتعال حرب أهلية ضد حزب اللـه تستبيح كل ما تبقّى من لبنان.
وهنا يبرز السؤال الأول:
إن السعودية ومن خلال الضغط على لبنان، استطاعت إزاحة وزيرين لبنانيين، الأول: وزير الخارجية شربل وهبي في الحكومة السابقة بعد مقابلة تلفزيونية، والثاني: الوزير قرداحي من حكومة الرئيس ميقاتي بعد إبداء رأيه الخاص، فيما نجد أن حزب اللـه وقوته وسلاحه وصواريخه وتأثيره الإقليمي، لم يستطع إقالة موظف أو مقاضاة قاض فاسد ومرتهن، رغم ثبوت تلقيه الأوامر من السفارة الأميركية لحرف مجريات التحقيق في تحديد الجهة المسؤولة عن انفجار مرفأ بيروت، فمن يكون بهذه الحال المهيمن على القرار اللبناني؟
السؤال الثاني: لطالما كان حزب اللـه منذ 1982 مكوناً أساسياً من مكونات لبنان ومقاومة معلنة ضد العدو الإسرائيلي وبتأييد شعبي لبناني عربي، ولطالما أن المرحوم الرئيس رفيق الحريري المعروف بولائه للسعودية قد توصل مع حزب اللـه إلى تفاهم كان قائماً على أساس «لكم سلاحكم في مواجهة العدو الإسرائيلي ولنا الاقتصاد والمصارف والإعمار»، وشهد لبنان خلال تلك الفترة ازدهاراً ونمواً مضطرداً، فلماذا تتمنع السعودية عن إكمال ما توصل إليه رفيق الحريري، أم إن الرئيس الشهيد الحريري دفع حياته واغتيل ثمناً لهذا الاتفاق؟
السؤال الثالث: أليس الطلب السعودي الخليجي بتجريد حزب اللـه من سلاحه الموجه ضد العدو الإسرائيلي، فيه خدمة جليلة للعدو الإسرائيلي وخصوصاً بعدما بات الجيش اللبناني أشبه بالمتسول في عواصم العالم لإطعام الجنود والضباط وفي ظل تعرض لبنان لأبشع أنواع الابتزاز المالي والاقتصادي والسياسي الأميركي الإسرائيلي في ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وفي اجتماع ضمه والقنصل السعودي في موسكو خصص لمناقشة الإجراءات السعودية تجاه لبنان قال:
لا تتخلوا عن لبنان وإذا أردتم الحد من النفوذ الإيراني فيه عليكم المنافسة لتحسين ظروف لبنان واللبنانيين وليس بالتخلي عنهم، وختم موجهاً كلامه للقنصل السعودي: لا ترتكبوا الخطأ نفسه الذي ارتكبتموه مع سورية.
نختم بالقول: مهما كانت مقاصد الطلب السعودي الخليجي من لبنان لكن المؤكد أنه طلب تقديم «الهدية الحلم» للكيان الصهيوني؟