سئم اللبنانيون، من غلو مسؤوليهم، في تصاريحهم ذات العاطفة المصطنعة تجاه شعب أفقروه، والكلمات الممجوجة عن مواطنين سلبوهم كل ما يملكون... وصولا إلى ملابسهم الداخلية!...
لقد صلبوا ناسهم حتى الموت جوعا... واليوم يسيرون في نعش من مات من الشعب، ذارفين دموع التماسيح...
غير أن البؤساء في لبنان، باتوا الآن يرصدون مواقف الدول الأجنبية، على أمل أن تأتيهم الحلول الإنقاذية مما بعد البحار... في زمن الـ "فالج ما تعالج"!.
والمواقف الإفرنجية التي يرصدها الناس ليست بالطبع "موال" العقوبات، إذ ثمة شعور بأن "ورقة العُقوبات فقدت مفعولها، فيما يخشى الطابخ الرئاسي الفرنسي «فخ» اللجنة الخُماسيّة!.
إذا، ما هي أبرز التصريحات الغربية في الشأن اللبناني، التي تتضمن، شعورا بالحد الأدنى، بما يُعاني منه البؤساء، أي السواد الأعظم من اللبنانيين!...
آخر المواقف المستشعرة معاناة الناس، نقلتها صحيفة "الجمهورية"، في عددها الصادر الاثنين 31 تموز 2023، إذ أوردت نقلا عن "سفير دولة كبرى" قوله لـ "القادة السّياسيّين"، إن وضع لبنان "محزن والوجع الذي يصيب اللبنانيين وصل إلى مراحل غير إنسانية، ويجب أن يتوقف هذا العذاب"!.
كما وأن البؤساء في لبنان، باتوا يعرفون جيدا، أن "مَن يزرع التهميش... يحصد التهجير!"... وقد هُمش شعب بأسره من حاكميه...
وهم ليسوا في حاجة إلى تصريح من شينكر ليعلموا عواقب عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية...
لا بل إنهم يعرفون ما هو أخطر بكثير مما أعلنه شينكر... ويُدركون ليس فقط ما قاله المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية، دايفيد شينكر، مِن أن "لا جدوى من انتخاب رئيس ضعيف يضمن استمرارية النظام الحالي في لبنان"... بل هُم على يقين أن الرئيس القوي أيضا، لا يمكنه مواجهة النظام "المافيوزي" الحالي في لبنان...
وكذلك هُم على يقين، أن "مهندس النظام الحاكم"، قد بَناه كي يصمد، ولو ضربه زلزال بقوة عشر درجات على مقياس "ريختر"!...
لذا فقد بات المطلوب... هندسة صلاحيات رئيس، انتزعت منه كل الصلاحيات، دفعة واحدة!... ماذا وإلا، عبثا يبتكرون "الهندسات السياسية"، وعبثا يسعى الموفدون!.
وبعض البؤساء في لُبنان، قد تصفحوا عدد الأحد الماضي من صحيفة "الشرق الأوسط" وفيه أن "فيدرالية اللبنانيين بين دعاتها ومعارضيها، والدافع إلى طرحها تمدد (حزب الله) وتنامي هجرة المسيحيين"...
ولو صدر هذا الكلام عبر صحيفة محلية، لكان اتهم قائله بالـ "إمبريالي... الانعزالي... التقسيمي... أو المبرر لخيار التقسيم"... ولرُبما يُتهم بالصهيوني!...
غير أن وجهة النظر الواردة في "الشرق الأوسط"، تبدو للبنانيين منطقية إلى حد كبير...
فمَن مِنهم ينكر "تمدد حزب الله"، في السياسة الداخلية، كما والخارجية، وعلى مستوى التعاطي اليومي مع الأحداث، وملفات الفساد، والملفات الأكثر سخونة؟...
ومَن مِن اللُبنانيين لم يلحظ نبرة "الحزب" العالية، في إطار "التحالف الشيعي الثنائي؟...
وفي المقابل، مَن مِن اللبنانيين ينكر أفول وهج الدور المسيحي المشرقي في لبنان، وشعور المسيحيين بالتهميش واليأس والإحباط... وكل ذلك يصرف في باحات المطارات هجرة كيلا نقول تهجيرا مبطنا!...
بين مقولة شينكر، ورأي "الشرق الأوسط" تقاطع محوراه السبب والنتيجة!.
فنتاج الهجرة المسيحية هي تهميش دورهم، والسطو على صلاحيات رئيسهم، والاعتداء على مشاعات كنائسهم وممتلكاتِهم... وقطع المياه عنهم...
ومِن "تكتيكات" الساسة في لُبنان، أن يجعلوا الشعب الواحد في مواجهة بعضه البعض... وإذاك تُعمم مشاعر اليأس والإحباط... ومن ثم، يدعي كل زعيم، أنه "مُنقذ" لبني قومه، ولأبناء دينه، ولأهل شارعه، ولسكان حيّه، ولربّما للقاطنين في بنايته!...
فتعم إذاك التفرقة، وتنتظم للزعيم أمور استبداد قومه، ويسود الظلم في الرعية المُتهالكة كلها!.
قديما قيل: "مَن يزرع الريح يحصد العاصفة"... واليوم بات القول: "مَن يزرع التهميش يحصد التهجير!"... وشعبي مُهمش... مُهمش!.
هذا ما لن يقوله الغرب للبنانيين، ربما لأن المصالح تقتضي السكوت عن ذلك!...
وأما ما يُقال لهُم، فمن باب "فشة الخلق ليس إلا"، فيما هُم غرقى، وممسكون بقشة كلام "فرنجي برنجي"، يُداوي الغرب اللبنانيين به، بعدما كان الغرب نفسه... هو الداء.
رحم الله "أبا نوّاس"... ورحم البؤساء اللبنانيين معه.