أكّد الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، أنّ "معركة "طوفان الأقصى" أصبحت ممتدّة في أكثر من جبهة وساحة"، مشيرًا إلى "أنّنا لو اردنا ان نبحث عن معركة كاملة الشرعية من الناحية الإنسانية والاخلاقية والدينية، لن نجد معركة كهذه المعركة مع الصهاينة. هذه المعركة لا غبار عليها على كل المستويات، وهي من أوضح وأبين مصاديق القتال في سبيل الله".
ولفت، في كلمته خلال الاحتفال التّكريمي الّذي نظّمه "حزب الله" لـ"الشّهداء الّذين ارتقوا على طريق القدس"، في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، إلى أنّه "معروف لكم وللعالم معاناة الشعب الفلسطيني وآلامه منذ أكثر من 75 عاما، لكن أوضاع السنوات الأخيرة في فلسطين كانت قاسية جدًا، وخصوصًا مع هذه الحكومة الحمقاء والغبية والمتوحشة".
وأوضح نصرالله أنّ "هناك 4 عناوين كانت ضاغطة في الوضع الفلسطيني: العنوان الأول هو ملف الأسرى، فآلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، بعضهم مضى عليه سنوات طويلة، وبعضهم مرضى يعانون خطر الموت، وليس هناك من يحرّك ساكًنا. العنوان الثاني هو ملف القدس والمسجد الأقصى، وما تعرض له خصوصا في الأشهر الماضية".
وذكر أنّ "العنوان الثالث هو الحصار على غزة. فمنذ قرابة العشرين عاما، هناك أكثر من مليوني إنسان يعيشون في حصار خانق وظروف معيشية صعبة، من دون أن يحرك العالم ساكنا. أمّا العنوان الرابع فهي المخاطر الجديدة التي بدأت تتهدد الضفة الغربية، من خلال مشاريع الاستيطان الجديدة". وبيّن أنّ "هذه الملفّات كلّها كانت ضاغطة على الفلسطينيين، وليس هناك في العالم من يسأل: لا الأمم المتحدة، لا منظمة التعاون الإسلامي، لا مجلس الأمن الدولي، ولا الاتحاد الأوروبي...".
وركّز على أنّ "قضيّة فلسطين وما يجريها فيها كانت منسيّة، في آخر اهتمامات العالم، إن كانت موجودة أساسا على لائجة الاهتمامات. وكانت سياسة العدو تزداد صلافة وطغيانا وقهرا، فلذلك كان لا بد من حدث كبير يهز الكيان الغاصب المستعلي وداعميه المستكبرين، وخصوصًا في واشنطن ولندن".
وجزم أنّ "عملية "طوفان الأقصى" العظيمة والمباركة كان قرارها فلسطينيًا مئة في المئة وتنفيذها فلسطينيًا مئة في المئة، ولا علاقة لها بأي ملف دولي أو إقليمي، وأخفاها أصحابها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غز، فضلا عن بقية دول وحركات محور المقاومة؛ وهذا ضمَن سريتها المطلقة"، منوّهًا إلى أنّ "هذه السرية ضمنت نجاح العملية الباهر، من خلال عامل المفاجأة المذهلة. وهذا الإخفاء لم يزعج أحدا في محور المقاومة، بل أثنينا عليه جميعا، وليس له أي تأثير سلبي على أي قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة".
وشدّد على أنّ "معركة "طوفان الأقصى" كشفت الضعف والهوان، وأن إسرائيل هي بحق أوهن من بيت العنكبوت. وقد سارعت الادارة الاميركية برئيسها ووزرائها وجنرالاتها للإمساك بالكيان الذي كان يهتز ويتزلزل، من أجل ان يستعيد أنفاسه ووعيه ويقف على قدميه من جديد ويستعيد زمام المبادرة، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استعادتها".
وأشار على أنّ "المسارعة الأميركية إلى مساعدة الكيان الإسرائيلي، كشفت وهن هذا الكيان وضعفه وفشله"، مركّزًا على أنّ "هذا الأداء من الاخوة في حركة "حماس" ثبّت الهوية الحقيقية للمعركة والأهداف، وقطع الطريق على الأعداء ان يزيفوا وخصوصًا عندما يتحدثون عن علاقات فصائل المقاومة الاقليمية". ولفت إلى أنّ "منذ الأيام الأولى، طلبت إسرائيل أسلحة جديدة من الولايات المتحدة، فهل هذه دولة قوية وتملك قدرة الوقوف على قدميها؟".
وأكّد أنّ "طوفان الأقصى" أسست لمرحلة تاريخية جديدة من الصراع مع العدو، ومصير الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ودولها، والتضحيات القائمة الآن في غزة وفي الضفة وعلى كل الجبهات، هي تضحيات مستحقة"، مبيّنًا أنّه "لم يكن هناك خيار آخر. الخيار الآخر يعني الصمت وانتظار الموت وذهاب الضفة والأقصى والمزيد من الحصار وموت الأسرى... لذلك خيار المعركة كان سليمًا وحكيمًا وشجاعًا في وقته، ويستحق كل هذه التضحيات".
وأضاف: "كل ما يجري في غزة يؤكّد لنا مجددا الطبيعة المتوشحة والهمجية لهذا الكيان الغاصب، الذي زرعوه في فلسطين، بناء على وعد بلفور المشؤوم"، لافتًا إلى أنّ "ما حصل في "طوفان الأقصى" يؤكد أن إيران لا تمارس أي وصاية على الاطلاق على فصائل المقاومة، وأصحاب القرار الحقيقيين هم قيادات المقاومة ومجاهدوها. والعمل الكبير والعظيم في "طوفان الأقصى" أدى الى حدوث زلزال على مستوى الكيان الصهيوني أمني وسياسي ونفسي ومعنوي، وكانت له تداعيات وجودية واستراتيجية وستترك آثارها على حاضر ومستقبل هذا الكيان".
وأفاد بأنّ "كان واضحاً من الساعات الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، أن هذا العدو كان شارداً وضائعاً ومذهولاً"، مشيرًا إلى أنّه "يبدو أن الحكومات الإسرائيلية لا تأخذ بعبر ودروس تجاربها مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين. ومن أهم الأخطاء التي ارتكبها الإسرائيليون ولا يزالون، هو طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يحققوها أو يصلوا إليها".
وذكر أنّ "في عام 2006، وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الاسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم، واليوم في غزة الوضع نفسه لكن مع حجم الجرائم والمجازر". وفسّر أنّ "ما يقوم به الاسرائيلي هو قتل الناس في غزة، فأغلب الشهداء هم من الأطفال والنساء من المدنيين ولا توجد حرمة لشيء، فالاسرائيلي يدمر أحياء بكاملها"، لافتًا إلى أنّ "ما يحصل في غزة يكشف المسؤولية الاميركية المباشرة عن كل هذا القتل والنفاق الأميركي".
وشدّد على أنّ "أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة واسرائيل هي أداة، فأميركا هي التي تمنع وقف العدوان على غزة وترفض أي قرار لوقف اطلاق النار، وتثبت من جديد أنها الشيطان الأكبر والمسؤول الأول عن كل المجازر، ويجب أن تحاسَب على جرائمها".
وأعلن "أننا منذ 8 تشرين الأول، نخوض معركة حقيقية لا يشعر بها الا من هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية، وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها واجراءاتها واستهدافاتها"، مؤكدا ان "الجبهة اللبنانية خففت جزءا كبيرا من القوات التي كانت ستسخر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا". وقال: "ما يجري على جبهتنا اللبنانية عند الحدود مهم ومؤثر جدا ولم يتم الاكتفاء به على كل حال وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان".
ولفت الى انه "لو كان موقفنا التضامن سياسيا والتظاهر لكان الاسرائيلي مرتاحا عند الحدود الشمالية وكانت قواته ستذهب الى غزة". وبيّن أن "جبهة لبنان استطاعت ان تجلب ثلث الجيش الاسرائيلي الى الحدود مع لبنان"، مضيفا: "جزء مهم من القوات الصهيونية التي ذهبت الى الجبهة الشمالية هي قوات نخبة ونصف القدرات البحرية الاسرائيلية موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ومقابل حيفا".
وأضاف: "ربع القوات الجوية مسخرة باتجاه لبنان وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي موجه باتجاه جبهة لبنان ونزوح عشرات الآلاف من سكان المستعمرات".
وأكد ان "هذه العمليات على الحدود أوجدت حالة من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضا لدى الأميركيين". وقال: "العدو يقلق من امكانية ان تذهب هذه الجبهة الى تصعيد اضافي او تتدحرج هذه الجبهة الى حرب واسعة وهذا احتمال واقعي ويمكن ان يحصل وعلى العدو ان يحسب له الحساب. حضورنا في الجبهة وهذا العمل اليومي يجعل العدو مردوعا. وعمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك".
وتابع: "هذه العمليات على الحدود هي تعبير عن تضامننا مع غزة لتخفيف الضغط عنهم"، كاشفا أنه "قيل لنا منذ اليوم الأول اذا فتحتم جبهة في الجنوب فالطيران الاميركي سوف يقصفكم لكن هذا التهديد لم يغير من موقفنا أبدا".
وأوضح "اننا بدأنا العمل بهذه الجبهة في الجنوب وتصاعدها وتطورها مرهون بأحد أمرين أساسيين الأمر الأول هو مسار وتطور الأحداث في غزة والأمر الثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان".
وحذر "العدو الصهيوني من التمادي الذي طال بعض المدنيين في لبنان وهذا سيعيدنا الى المدني مقابل المدني". وقال: "أقول بكل شفافية وغموض بناء ان كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وان كل الخيارات مطروحة ويمكن ان نذهب اليها في أي وقت من الأوقات ويجب ان نكون جميعا جاهزين لكل الفرضيات المقبلة".
وتوجه السيد نصر الله الى الاميركيين بالقول؛ "أساطليكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا في يوم من الايام وأقول لكم ان اساطيلكم التي تهددون بها لقد أعددنا لها عدتها أيضا. الذين هزموكم في بداية الثمانينيات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم".
وأضاف :"من يريد منع قيام حرب أميركية يجب ان يسارع الى وقف العدوان على غزة واذا حصلت الحرب في المنطقة فلا اساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع. وفي حال أي حرب إقليمية ستكون مصالحكم وجنودكم الضحية والخاسر الأكبر".