أشار الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، في حديث لـ"النشرة" حول الحرب المستمرة في عزة منذ عملية "طوفان الأقصى"، إلى أن "صمود حركة "حماس"، وكما يعلم الجميع، هو من دون أن يكون لديها أية آلية ثقيلة، أية مجنزرة أو جيب على سطح الأرض، وقد استطاعت إعطاب أو إخراج نحو 160 آلية عسكرية إسرائيلية من الخدمة جزئيًا أو كليًا"، لافتاً إلى أن "إسرائيل تعمد إلى إخفاء خسائرها، من خلال التعتيم الإعلامي الكامل، وهي تعمد إلى قطع الإتصالات خلال سحب الآليات العسكرية المدمرة".
ورأى أن "إسرائيل دفعت ثمن هذا التعتيم الإعلامي في مقابل جهوزية الإعلام العسكري التابع لحماس، الذي أصبح حتى على الشاشات الإسرائيلية"، مبيّنًا أن "الشاشات العالمية لا تستطيع حجب ما يبثّه الإعلام العسكري حول هذا الموضوع، وقد ساهم ذلك في عرض المشاهد للمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، والتي كانت تريد التعتيم عليها، إن في غزة أو الضفة الغربية".
وعن السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب، أوضح العميد ملاعب أن "المحتمل حتى الآن، هو أن تنجح إسرائيل في تحقيق الأهداف التي وضعتها، وهي أولًا الوصول إلى الأسرى، وثانيًا الوصول إلى الأنفاق، وثالثًا وقف إطلاق الصواريخ والوصول إلى قادة "حماس".
وركّز على أن "الأسلوب الذي اتبعته إسرائيل بتهجير الفلسطينيين إلى جنوب غزة ستتابعه، وأن هناك تهديدا لأهالي خان يونس للخروج من منازلهم، ولكن لا نعرف إلى أين"، سائلاً: "هل هو خروج إلى سيناء؟ وهل سيسكت المصري عن ذلك؟ ومصر قالت إن أمنها القومي هو خط أحمر. مع العلم أن لمصر قوة عسكرية كبيرة على معبر رفح وهذا بحسب تقرير اسرائيلي".
كما اعتبر أن "المعارك لم تبدأ بعد، فأنفاق المقاومة فيها مصانع ومخازن للأسلحة والصواريخ، وفيها مراكز قيادة ووسائل حياة تمكّن الإنسان العيش داخلها ولزمن طويل"، مشيراً إلى أن "هذه الأنفاق لم تُستخدم بعد في المعارك الحالية، وكما هو معلوم تاريخيًا أن أنفاق باريس هي التي حسمت حرب المقاومة الفرنسية في حكومة فيشي ضدّ النازيين، ورأينا في فيتنام الأنفاق التي استخدمها الفيتناميون ضدّ الجيش الأميركي؛ والتي أصبحت اليوم معالم سياحية تدّل على مقاومة الفيتناميين للأميركيين".
وشدد ملاعب على أنه "ما دام أصحاب الأرض خططوا وأنجزوا أسلحتهم وذخائرهم ومدنهم تحت الأرض، فإن هذه الأرض هي لأصحابها ولن يستطيع الإسرائيلي البقاء من دون خسائر"، مضيفاً: "طبعًا، شعار "لن يكون أي مكان بعيدا عن متناول الجيش الإسرائيلي"، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، صحيح وهو باستطاعته الدخول إلى أي مكان، ويستطيع الهدم والقتل والعربدة في السماء وعلى الأرض؛ ولكن هل يتحمل الخسائر البشرية للإسرائليين عندما تبدأ المقاومة مقاومتها؟".
وأوضح أن "هناك 30 ألف مقاوم لحماس، ولكن كل فلسطيني في غزة أصبح مقاومًا ضدّ الإحتلال الإسرائيلي"، مؤكّدًا "أننا أمام مرحلة طويلة وأمام استنزاف كبير للقوة العسكرية والبشرية الإسرائيلية في غزة، حتى تستكين لمشغلها وللمشرف عليها ولمن يقود هذه الحملات، أعني به الأميركي. عليه أن يقول كفى، ويجلس إلى الطاولة".
ولفت إلى أنّ "القضية الفلسطينية انتصرت، لقد وصلنا إلى مكان لم يكن أحد يعرف أن هناك فلسطين. بينما اليوم نرى الرأي العام العالمي بقوة يعرف من هي فلسطين، ومن هم أصحاب الأرض، ويرى المستوطن الإسرائيلي يهرع إلى مطار بن غوريون للهروب من الأرض التي قدم إليها محتلًا"، مؤكداً أن "هذا انتصارا لفلسطين تحديدًا، يلزمه صمود المقاومة في أرضها وحسن التعامل مع العدو".
أما بالنسبة إلى جبهة الجنوب، فذكر ملاعب أن "الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله حدد مهام هذه الجبهة كحبهة مساندة، خصوصًا في ظلّ الوجود العسكري الأميركي والأوروبي الكثيف والضاغظ في المتوسط وفي البحر الأحمر وفي الخليج العربي، وهذا الوجود هو لعزل أي تدخل لمواجهة العملية الإنتقامية الإسرائيلية بالقوة، وهو رسالة لإيران ضد تحريك الجبهة الجنوبية من لبنان ضدّ إسرائيل".
واعتبر أن "المقاومة تكتسب مشروعية فيما تقوم به، بحسب البيان الوزاري الذي يعطى الحق لتحرير أراضي لبنان المحتلة بأي وسيلة ممكنة"، مركّزًا على أن "مشروعية قتال المقاومة ضدّ المحتل لأراضينا هي مشروعية واضحة. ولكن هذا القتال استدرج ردًا إسرائيليًا، ما استدرج ردًا أقوى من "حزب الله"، لذلك رأينا الأمور ضمن قواعد اشتباك معينة: احترم الحزب عدم إطلاق صواريخه من مناطق سكنية، خوفًا من استدراج رد إسرائيلي على أماكن آهلة. وهذه هي قواعد الاشتباك، أي ألا يصار إلى الرد على مدنيين إذا لم يُستهدف مدنيون".
وتابع: "لذلك رأينا قتالًا نمطيًا، حتى اليوم، ولكن ضمن هذا القتال النمطي، استطاع "حزب الله" أن يكون قوة مساندة، وأن يشغل الجيش الإسرائيلي في الشمال وجزء كبير من منظومة القبة الحديدية، وبذلك يكون قد خفّف عن غزة الضغط وهذا كان واضحًا".
وعن مصير هذه الجبهة، رأى العميد المتقاعد أنه "إذا ارتاح الاسرائيلي في غزة، لن يسكت، بدءًا من اليوم الثاني، عن فتح هذه الجبهة ومحاولة إنهاء الخطر القادم عليه من الشمال، لأن ما يمتلكه "حزب الله" والمقاومة الإسلامية المدعومة من إيران، أضعاف ما تمتلكه غزة"، لكنّه أشار إلى أنّه "حتى لو ارتاحت إسرائيل في غزة، فعليها أن تحسب مئة حساب قبل الإقدام على مواجهة الخطر القادم عليها".
وشرح أنّ "إسرائيل لم تعتد أن تقاتل أكثر من أسبوعين. فقتالها هو تدمير للاقتصاد الإسرائيلي، والضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية وهروب المستوطنين هما عاملان ضاغطان عليها. فهل تستطيع إسرائيل أن تستقبل آلاف الصواريخ بعيدة المدى التي يملكها "حزب الله" ولم يعلن عنها بعد، فهل تستطيع إسرائيل تحمل ذلك؟ أعتقد أنها لا تستطيع".
إلى ذلك، شدّد ملاعب على أنه "لا بد من التنبّه إلى الحركة الدبلوماسية الإيرانية الكبيرة، فهي، أي إيران، تريد أن تعرف مستقبلها في هذه المنطقة، بعدما أعلنت أنها احتلت أربع عواصم عربية. وإذا حصلت على موقع لها مستقبلًا مع الولايات المتحدة، لن يقدم "حزب الله" على أي توتير للوضع".
وأوضح أن "الخوف هو أن تقوم إسرائيل بذلك، والقيام بما عودتنا عليه وبما قامت به في غزة من تدمير. ولكن إذا كانت اسرائيل في غزة تمتلك الحجج بما فعلته "حماس" في السابع من تشرين الأول الماضي، فنحن في لبنان لم نقدم على القيام بهذه الأعمال، وأن أي قصف لأي بنى تحتية لبنانية غير مبرر، لأن من يقاوم فهو يقاوم فقط لتحرير أرضه من المحتل وليس أكثر".
وأضاف: "لذلك وفي ظل هذه النهضة العالمية للرأي العام والقوى المجتمعية، لا تستطيع إسرائيل تغطية أي عدوان على لبنان. وإذا كانت تحاول إقناع العالم أنها ضحية في غزة، فهي لا تستطيع أن تقول أنها ضحية في لبنان للإعتداء عليه. لذلك لا أنتظر تطوّر الجبهة الجنوبية، كقوة مساندة".