"دُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنطاكِيَةَ أَوَّلاً" (أعمَالُ الرُسُلِ 11/26).
أنطاكِيَةُ.
في اليونانِيَّةِ القَديمَةِ Ἀντιόχεια ἡ ἐπὶ Ὀρόντου/Antiókheia hē epì Oróntou ، وَفي اللاتينِيَّةِ Antiochia ad Orontem. وَقَصدُهُما المُشتَرَكُ: أنطاكِيَةُ-التي-على-العاصيَ، على الضِفَّةِ الغَربِيَّةِ لِلنَهرِ الطالِعِ مِن لبنانَ الى فَوقِ. بِلبنانَ عُرِّفَت، وَمِن دَفقِهِ بُنِيَت، في آخِرِ نُقطَةِ إمتِدادِ لِلبنانَ-فينيقيا-البَحرِيَّةِ، لِتَكونَ لُقيا طَريقِ الحَريرِ بأوروبا: تِلكَ الغَارِبَةُ الحامِلَةُ إسمَ أميرَةِ صورَ... وَجَعَلَ بانوها رَمزَها صَبِيَّةً جالِسَةً على صَخرٍ، مُتَوجَّةً بأبراجَ، وَفي يَدَيها غَمرُ سَنابِلَ قَمحٍ. وَعِندَ قَدَمَيها، شابٌ سابِحٌ يَهرَعُ نَحوَها مَلهوفاً، هو رَمزٌ لِلعاصِيَ.
صَخرٌ!
هي أنطاكِيَةُ، إبنَةُ صورَ-الصَخَرَةَ وَوَليدَتُها. وَقَد شاءَتها حاضِرَةَ تَثاقُفٍ ثُلاثِيٍّ بَينَ العَبقَرِيَّاتِ السامِيَةِ-الُلبنانِيَّةِ-الفييقِيَّةِ (الآرامِيَّةِ-السُريانِيَّةِ) والإغريقِيَّةِ والقوقازِيَّةِ... وَغَدَت "تيترابوليسُ"، أيّ حاضِرَةٌ رُباعِيَّةٌ على ذِكرِ سترابون الإغريقيِّ، جامِعَةً الفينيقِيَّةَ والهلِّلينيَّةَ واليَهودِيَّةَ والأرمَنِيَّةَ.
هي التي مَعَ المَسيحِيَّةِ، سَتَرتَفِعُ إمتِداداً لِصورَ وَصَيدونَ وَقانا وَجِوارَهُمِ: مَهدِ الكَنيسَةِ الأولى، بإحتِضانِها لِلإنتِشارِ المَسيحيِّ الأوَّلِ المُؤَسَّسَ مِن بُطرُسَ وَبولسَ... وَفيها، إختَلَفا حَولَ علاقَةِ المَسيحِيَّةِ باليَهودِيَّةِ. خِلافٌ لَم يُفَضّ إلَّا في مَجمَعِ الرُسُلِ، المَجمَعِ المَسكونِيِّ الأوَّلِ، حَيثُ أنَّ بولُسَ الماكِثَ في صورَ والمُصَلِّيَ مَعَ أبنائِها وَنِسائِها وَأولادِها جُثوَّاً على شاطِئِها (أعمالُ الرُسُلِ 21/4-6)، قُبَيلَ صُعودِهِ لِأورشَليمَ ماضِياً الى روما، والعارِفَ أساساً، إثرَ إستِشهادِ إسطِفانُسَ أنَّ "الَذين تَشَتَّتوا على أثَرِ الضيقِ الذي حَصَلَ... إجتازوا إلى فينيقِيَةَ." (أعمَالُ الرُسُلِ 11/19)، مُدرِكٌ وَمُقتَنِعٌ أنَّ المسيحِيَّةَ لِجَميعِ الأُمَمِ لا لِعُصبَةٍ عِرقِيَّةٍ. فأقنَعَ... في لبنانَ تَكَرَّسَت عَبقَرِيَّتُها هَذِهِ. وَمِنهُ إنطَلَقَت.
هي الَتي على صورَةِ لبنانَ، تَحقيقُ فِعلٍ وَنِظامُ إتِّضاعٍ، حَقيقَتُهُ تُعيدُ المَسيحِيَّةَ الى حَقيقَتِها. إذ هيَ لا مُستَجدِيَةُ تَفَلُّتِ أوهامَ وَلا مُتَرادِفَةٌ مَعَ تَعظيمِ قُوَّةٍ. في تِلكَ الهُدوئِيَّةِ، تَسامَت أنطاكِيَةُ، مُلتَقى الأُورثوذُكسِيَّةِ والعَرَبِيَّةِ... جامِعَةً الإستِسلامَ لِعِنايَةِ اللهِ الى إسلامِ النَفسِ لَهُ.
صَخرٌ!
مِن أورشَليمَ، عَنصَرَةِ الروحِ بِلُغاتِ المَسكونَةِ (أعمالُ الرُسُلِ 2/4-6)، الى روما عَقلانِيَّةُ الإيمانِ وَلاتينِيَّتُهُ، فَعالَمُ السلافِ ذُروَةُ النِضالِ الروحِيِّ بِوَجهِ الإلحادِ المُمَنهَجِ، تَقِفُ أنطاكِيَةُ-الُلبنانِيَّةُ رافِعَةً أرضَ الإنسانِ لِلمَجدِ الإلَهيِّ. جَسَدَانِيَّةَ الإنسانِ التُرابِيَّةِ الى جَسَدِيَّةِ المَسيحِ، مَجدِ الحَياةِ المُتَفَجِّرَةِ مَنَ الجَوهَرِ الإلَهيِّ.
أهيَ مُضاعِفَةٌ لِعَلاماتِ المَلَكوتِ؟
حَرَكِيَّةٌ قِيامِيَّةٌ
"مَدينَةُ اللهِ العُظمى"، أنطاكِيَةُ-الُلبنانِيَّةُ، ألحِصنُ ألمِن لبنانَ، قِيامِيَّةٌ أبَداً. حَرَكِيَّتُها إحتِفالِيَّةٌ للهِ الذي وافى عالَمَ المَوتِ، لِيَقومَ فَيضاً يَدوسُ كُلَّ تَضادٍ لا يَعقُلُ. كُلِّ عِبادَةِ قَيصَرَ.
قُل: هي لبنانُ قيامِيَّةُ الصَلابَةِ، مِن حَيثُ هو تَكثيفُ الإنتِصارِ على كُلِّ مَوتٍ. بالإستِنارَةِ بِصَليبِ المَسيحِ.
أعَهدٌ جَديدٌ هي؟ إرتِباطُها بالمَسيحِ تَجَلَّيَ نِعمَةٍ، على الإنسانِ مُلاقاتُهُ.
أتِلكَ قَداسَتُها؟ بَل تَحديداً، قوَّةُ تَقديسِها التي في صَميمِها. وَهي مِنَ اللهِ.
قُل وَأكِّد: هي لبنانُ-الُلزومُ. على ما هو. تَداخُلُ أمانَةِ اللهِ وَ...عَدَمِ أمانَةِ الإنسانِ. غالِباً.
في هَذِهِ المأساوِيَّةِ، وَمِنها، نِعمَتُها تَغدو أكثَرَ سُطوعاً، كُلَّما ثابَرَت على إجتِذابِ مَن في الظُلمَةِ ‒هُمُ الَذين فَقَدوا أنفُسَهُمُ‒ الى النورِ... وَقَد شارَكَتهُمُ مَصيرَهُمُ حَتَّى النِهايَةِ. بِذَلِكَ تُؤَكِّدُ أنَّ حَرَكِيَّتَها القِيامِيَّةِ لَيسَت إصدارَ أحكامٍ، لَيسَت تَفريقاً، إنَّما كَشفاً لِمِعنى القَداسَةِ الحَقيقِيَّةِ. تَضامُناً. وِحدَةً.
"مَدينَةُ اللهِ العُظمى"/أنطاكِيَةُ-لبنانُ.
لا سِواهُما الرابِطُ الوَحيدُ بَينَ الشَرقِ والغَربِ، الشَمالِ والجَنوبِ. جَزالَةُ عَطاءِ العَدالَةِ، صِيغَةُ المَحَبَّةِ الجَوهَرِيَّةِ... الَتي تُدينُ الأحياءَ والأمواتَ.