اثبت لبنان مرة اخرى انه يحظى بتعاطف عدد هائل من الدول الصديقة والشقيقة التي لا تفوّت الفرصة يوماً من اجل التعبير عن وقوفها الى جانب شعبه ودعمه. ومع وجوب تقديم الشكر والتقدير لكل ما تفعله هذه الدول، الا انه من الواجب ايضاً ابداء نوع من اللوم الذي يأتي "على قدر المحبة". لا شك ان المساعدات والهبات والتقديمات الطبية والغذائية وربما المالية، ضرورية واساسية في الحالة التي يعاني منها لبنان حالياً، وليس من الوارد حتماً ولا المنطقي، المطالبة بمساعدات عسكرية او فتح جبهة مواجهة مع اسرائيل من قبل اي من هذه الدول، فلا موجب لها ان تدخل في حروب لا ترغب بها، وهذا حقها ويصب في مصلحة شعوبها.
ولكن، كان بالامكان القيام ببعض المبادرات والخطوات المعنوية والسياسية المترافقة مع المساعدات العينيّة المقدمة للشعب اللبناني، والتي تعبّر بشكل ملموس وحقيقي عن تضامن هذه الدول مع لبنان. صحيح ان الجميع ابدى قلقه على الوضع، وحذّر من تدهوره، واجمع على ان ما نشهده في لبنان (كما في غزة) يرتقي الى مستوى المجازر والدمار الشامل، ولكن هذا وحده لا يكفي.
نبدأ من الدول الصديقة التي تهتم بلبنان وترغب في رؤيته مستقراً وآمناً، والسؤال: ما الذي يمنع الولايات المتحدة الاميركية مثلاً او الدول الاوروبية على اختلافها، اتخاذ موقف حاسم من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وتهديده بوقف امداده بالسلاح الى حين عودته الى التعقّل من رحلته الجنونية؟ ومع التفهم الكامل لارتباط اميركا واوروبا بإسرائيل وأمنها وحقها في الدفاع عن نفسها، والحرص على عدم خسارة اللوبي اليهودي في كل هذه الدول، فليكن التهديد لنتنياهو وحكومته فقط وليس لاسرائيل، واستغلال انقسام الشارع الاسرائيلي (قبل فترة غير طويلة) تجاه بقاء نتنياهو في السلطة، اي بمعنى آخر كان يمكن ايصال رسالة واضحة مفادها ان بقاء هذا الرجل يؤثر سلباً على العلاقات مع الدول الحليفة مع اسرائيل، وان لا مشكلة الا معه ومع "جنونه". كما يمكن، فرض عقوبات اقتصادية ومالية عليه وعلى وزرائه، للتعبير عن حالة الغضب من تحديه هذه الدول المؤثرة، وارتكابه فظائع لم يسبقه اليها هتلر في اوج عزّه. وليس سراً ان التهديد بإيقاف السلاح (لاغراض هجومية وليس دفاعية)، من شأنه ان يعرقل كل خطط نتنياهو وطموحاته واهدافه، بينما شاهدنا ما حصل حين لوّح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بلعب هذه الورقة، وما كان الرد الوقح لنتنياهو عليه.
اما في ما خص الدول الشقيقة، فقد اتى الامين العام لجامعة الدول العربية وافرغ كل ما في المعاجم من مرادفات ومصطلحات تعبّر عن الدعم للبنان وشعبه، ولكن لم يدعُ مجلس الجامعة الى عقد قمة طارئة للخروج بموقف (ولو انه صوري ولا تأثير له عملياً) يبقى بمثابة دعم معنوي وسياسي اكبر وبشكل رسمي. واذا سلّمنا جدلاً ان عقد قمة عربية امر لا تسمح به الظروف (علماً انه ليس هناك ما يمنع من حصوله بعد اكثر من سنة على اندلاع الحرب)، ماذا عن الدول التي اجرت التطبيع مع اسرائيل وتلك التي تربطها اتفاقات معها، هل من الصعب او الخطورة فعلاً استدعاء السفير الاسرائيلي وابلاغه رسالة شديدة اللهجة بأن ما يحصل لم يعد مقبولاً؟ وهل من المضرّ حيوياً لمصالح واقتصاد هذه الدول ان يتم تعليق التطبيع حتى ينتهي هذا الجنون؟ من المؤكد ان لا خوف من اندلاع حروب جراء هذه الاجراءات البسيطة ولكن البالغة الدلالات، فما الذي يخيف هذه الدول من اتخاذ هذه القرارات؟ ليس في الامر دعم لحزب الله، ولا لفئة من اللبنانيين دون سواهم، ولا لفئة من الفلسطينيين ايضاً، ولا لحركة "حماس"، انما من شأن ذلك تدعيم الصف العربي ومحاولة اعادة "الهيبة" المفقودة منذ عقود طويلة من الزمن.
على أيّ حال، لا ينفع الكلام، ومن غير المتوقع ان يتغيّر اسلوب التعاطي العربي والدولي مع نتنياهو الذي، على ما يبدو، بسط سلطته داخل وخارج اسرائيل...