شهدت وزارة الثقافة – المكتبة الوطنية في الصنائع، مراسم التسليم والتسلم بين الوزير السابق القاضي محمد وسام المرتضى وخلفه الوزير الجديد الدكتور غسان سلامة، في حضور المديرين العامين للمديريات التابعة للوزارة ورؤساء مجالس الإدارة.
وألقى المرتضى كلمة قال فيها: "ثلاث سنين ونصف السنة تقريبا، كانت إلي فيها عهدة وزارة الثقافة، ها أنا ذا أضعها أمامك حصادا من حقول كثيرة، أو إذا شئتَ من عقول كثيرة، ذلك أن لبنان من أشهر معانيه أنه مهد الأبجدية والوطن الرسالة والجبل الملهم وأرض الإبداع، وما إلى ذلك من تعابيرَ تنتمي بصحيحها ومجازها إلى أرومة الثقافة، فلا عجب إذن أن تصير هذه الوزارة ميدانا أوَل لتحقيق معنى لبنان بفضل رئيسي من عقول لبنان، ولكن، من أين لوزارة الثقافة أن تصنع هذا كلَه، وتعرفون يا معالي الوزير أنها إدارة ينأى عنها المال، كما تنأى عن الأفق الرمال؟ الحقيقة، أنه لم يكن بإمكاننا أن نقول سوى قول واحد: ليس لدى الوزارة شيء تقدمه لكم أيها المبدعون الذين تصنعون مجد لبنان، إلا الاحتضان والحضور والمواكبة لكل نشاطاتكم الثقافية أو لجلها، هكذا لم نتأخر عن رعاية أي مناسبة ثقافية على امتداد لبنان، تعويضا بالحضور الشخصي عن ضيق ذات يد الوزارة".
أضاف: "لقد قامت سياستنا الوزارية على ركيزتين: التشبث بالقيم التي تشكل جزءا فسيحا من هويتنا الإيمانية والوطنية، والعمل على بث الوعي بضرورة أن تقوم السياسة والشعب كلاهما على حفظ التنوع اللبناني، مع واجب حسن إدارته لكي نكون فعلا شعبا واحدا يعيش قيمه بملء حريته واتحاده حول المصالح الوطنية الكبرى، عارفا أن الكيان العدواني المزروع على حدودنا الجنوبية يريد اقتلاع الصيغة الفريدة لعيشنا التي تشكل النقيض الفاضح لعنصريته المقيتة، ومتحسبا على الدوام لمواجهته".
وتابع: "إذا أردت يا معالي الوزير، إضافة إلى ما تقدم، أن أعدد بعضا مما فعلته الوزارة في هذه السنوات، أذكر بإيجاز تركها لمبنى مستأجر يشع كبد الخزينة على مدى سنوات اكثر من عشر ملايين من الدولارات، وأذكر ايضا إعادة افتتاحها لهذه المكتبة الوطنية في هذا المبنى البهي، واقامة مكتبات عامة واستحداث فروع جديدة للكونسرفاتوار الوطني في المناطق، وإدراج عدد لا بأس به من المتاحف الخاصة على لائحة المتاحف الوطنية، كل ذلك إغناء لموروثنا الحضاري، وتحقيقا لتنمية ثقافية لامركزية، مع ما يستتبع ذلك من منافع معرفية واقتصادية. وكذلك، أذكر اهتمام الوزارة بالزجل اللبناني، وإيلاءه عناية خاصة، وإصلاح الوضع النقابي فيه ولدى سائر الفنانين. وأيضا، تثبيت "طرابلس عاصمة الثقافة العربية لعام 2024" والانتقال الى هذه المدينة وزيرا ووزارة ومتابعة همومها ومواكبة كل النشاطات التي أقيمت فيها، ومنها احتفال أساسي سيبقى في محفورا في ذاكرة أهلها والأجيال واشقائنا العرب، أقيم في معرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي في طرابلس، برعاية وحضور الرئيس نجيب ميقاتي مع أركان الدولة اللبنانية والسفراء الأشقاء والأجانب ووفد المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (اليكسو)، مرورا بكل النشاطات الثقافية طوال ذلك العام حتى الحفل الختامي".
وأردف: "في معرض هذه المناسبة، أعلنا طرابلس عاصمة دائمة للثقافة في لبنان، وقررنا إنشاء متحف وطني في قصر السباع وشكلنا لجنة لهذه الغاية. كما أسسنا مجمعا للغة العربية في لبنان، مركزه طرابلس، وعصبه الرئيس الأول غالب غانم مع نخبة من المجلين في محترف العربية، وأطلقنا أخيرا لجنة لنشر الإبداع اللبناني برئاسة كبيرنا هنري زغيب لتتولى جمع وتحقيق وطباعة ونشر الأعمال الكاملة للمبدعين اللبنانيين، في كل ميادين الآداب والفنون. كما حرصنا على اقامة الفعاليات الموسيقية في المتحف الوطني مساء كل يوم جمعة تحت مسمى Music in the Museum، وأنجزنا مع المؤسسة الوطنية للتراث مبنى يباهى به ملاصقا للمتحف الوطني سيؤدي أهم الأدوار مستقبلا هو جناح نهاد السعيد للثقافة، وحرصنا أخيرا على إحياء مناسباتنا الوطنية الجامعة، لا سيما عيد البشارة، والاحتفال بها بفعاليات موسيقية، باعتبارها مواسم مقدسة لترسيخ العيش الواحد بين اللبنانيين. كما أقمنا تثبيتا لهذا العيد الأخير نصبا للسيدة مريم عند نقطة المتحف، بالتنسيق مع محافظة مدينة بيروت، جاعلين بذلك لللبنانيين واحة أخرى من واحات الوحدة والتلاقي".
وقال: "لقد أسسنا مع منظمة الإسيسكو لتعاون سوف يخدم ترميم المدينة المملوكية في طرابلس، وتواصل معي البارحة مديرها العام الدكتور سالم المالك، وهو بنقل اليك يا معالي الوزير تحياته وتوقه الى التعاون معكم. كما عززنا اواصر الصداقة والتعاون مع منظمة الأليكسو ومديرها العام الدكتور محمد ولد اعمر الذي اتصل بي بدوره وأبدى الاستعداد الكامل للقاء بكم والعمل معكم لخدمة الثقافة في لبنان".
أضاف: "خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، بذلنا جهودا مضنية مع منظمة الأونيسكو عبر مندوب لبنان فيها السفير الدكتور مصطفى أديب لمنح الحماية المعززة للمواقع الأثرية في لبنان، التي كانت تتعرض لهجمات إسرائيلية غاشمة، هذا قليل من كثير أقوله قبل أن أختم بدعوتك يا معالي الوزير إلى الاهتمام بوضع اللجنة الوطنية للأونيسكو التي تعاني ضائقة مالية كبيرة، وكذلك بالحفاظ على القيمة الثقافية العالية لمدينة طرابلس، لأنها كما قلت سابقا، حين همشت وهشمت لم تتضرر وحدها، بل كل لبنان. كما أسمح لنفسي بأن أوصيك بالابقاء عليها عاصمة دائمة للثقافة في وطننا والعمل من خلال دورك في مجلس الوزراء على الاستفادة القصوى من المقدرات الثقافية والاقتصادية والمرفقية الاستثنائية التي تتمتع بها هذه المدينة لأنها كفيلة بنهضة لبنان من جديد وحدويا واقتصاديا".
وختم: "أستعير فيك بتصرف يسير قولا عربيا قديما، وأقول: هذه وزارتكم ردت إليكم، دعائي لكم بالتوفيق لما فيه خير لبنان واللبنانيين، والسلام عليكم قبل التسلم والتسليم وبعدهما".
بدوره، تحدث سلامة فشكر لـ"الوزير المرتضى هذا اللقاء المميز"، وقال: "إني أشكره أكثر بكثير على السنوات الطويلة التي تسلم خلالها مسؤولية وزارة الثقافة والمثقفين في هذا البلد. لقد كانت مرحلة صعبة لا أنكر أننا عرفنا فيها الانهيار المالي والاقتصادي الخطير الذي أصاب البلاد، عرفنا العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان واللبنانيين، لكنه استمر جاهدا في موقعه في تحمل الوزارة في هذه الظروف العصيبة، وأبقى على شعلة الثقافة حية في الوقت الذي انطفأت فيه. شكرا، لهذا الجهد المتواصل والانجازات التي ذكرتم بعضها في كلمتكم".
أضاف: "عندما يصاب المرء بفيروس الثقافة لا يشفى منه، وهذه حال مخاطبكم وحال غيري من أعضاء هذا الحفل الكريم. ولذلك، أعود بملء إرادتي إلى هذه الوزارة، وأنا ألم تماما هزالة ميزانيتها وصعوبة عملها والإحباط الذي قد تثيره في نفوس المتعاملين معها، لكني جئت من ضمن فريق حكومي جديد، وسأثبت لأعضاء هذا الفريق أن لوزارة الثقافة دورا تحسد عليه في الورش الكبر التي ستنكب الحكومة عليها، أولا موضوع إعادة الإعمار، حيث أن لوزارة الثقافة دورا أساسيا في عملية إعادة الاعمار، ليس فقط لأن بعضا من آثارنا أُصيب جراء الضربات الإسرائيلية، ولكن مسؤولية هذه الوزارة برأيي هي إعادة بناء البنى الفوقية، بينما تهتم وزارات أُخرى بإعادة بناء البنى التحتية".
وأشار إلى أن "البنى الفوقية هي نسق من القيم والمعارف التي من دونها تصاب الهوية بشلل، وبالتالي مسؤولية الوزارة هي في إعادة هذه البنى التي إن بقيت مهمشة أو مهشمة، فإن اعادة بناء البنى التحتية تبقى ناقصة لأنها لم تقم على قيم مشتركة وأفكار مشتركة و نسق تفكير مشترك"، وقال: "إن المهة الثانية للوزارة في المشروع الحكومي الجديد تتعلق بتحفيز النمو الاقتصادي، ومن الأمور التي يتجاهلها الكثيرون الدور الأساسي للثقافة في لبنان في نمو الناتج القومي".
أضاف: "نحن في لبنان من الدول الأعلى في نسبة الصناعات الثقافية من الناتج القومي، فهناك دول تتباهى بأن لديها 10 في المئة من الصناعات الثقافية من الناتج القومي، ونحن بتقييمي، وقد أكون مخطئا إلى هذا الحد أو ذاك نتجاوز ال20 في المئة، لأن هذا البلد اختار منذ إنشائه أن يكون مجالا للحرية والابداع. وبالتالي، فإن عدم وجود نوع من تأميم للثقافة كان فأل خير علينا لأن حرية الابداع كانت كافية".
وتابع: "للوزارة دور تحدث عنه الوزير المرتضى، دور مواكبة ورعاية وترويج وتعظيم نسبة المساهمة للثقافة في النمو الاقتصادي العام، وهذا أمر في غاية الأهمية. لقد مضى وقت على تسلمي هذه الوزارة وعملت بجهد للترويج للكتاب اللبناني في الدول العربية ولكي نمنع تصوير الكتب المنتجة في لبنان. كما عملت على احترام الملكية الفكرية".
وأردف: "لدينا إسهام كبير في الاقتصاد، ونحن في حاجة إلى نمو سريع في السنوات المقبلة وإلى أن تسهم الوزارة في ما يخص الصناعات الثقافية. أما النقطة الثالثة، التي اود التوقف عندها، فتتعلق بما ذكره الوزير، وهذه الجدلية الدائمة لدينا بين التنوع والوحدة. نذهب أحينا بعيدا باتجاه التنوع، واحيانا نصر إصرارا غير واقعي على ما فيه، فالتوصل إلى توازن وطني بين حقيقة التنوع وحسن إدارته وفتح الافق لتجاوزه نحو المشترك من قيمنا وافكارنا ولغتنا هو مسؤولية هذه الوزارة".
واعتبر أن "إدارة التنوع وتجاوزه ليس في نفيه، بل بالاضافة اليه من خلال توسيع الرقعة المشتركة"، مجددا شكره لـ"الوزير المرتضى وجميع أفراد هذه الوزارة على عملهم خلال السنوات الماضية، محافظين قدر الامكان على دور الوزارة الرائدة".