اليوم، يفترض أن تعقد لجنة التواصل النيابية اجتماعها "الأخير" لدرس قانون الانتخاب..
هو اجتماعها "الأخير"، لكن ومنعا لسوء الفهم، فإنّ أيّ "دخان أبيض" لن يتصاعد من مبنى مجلس النواب، حيث تجتمع، إيذانا بحصول "معجزة التوافق"، بل إنّ الدخان الذي يجب أن يتصاعد هو الدخان "الأسود"، كـ"مكافأة" لممثلي الشعب على إنجاز مهمتهم..
اليوم، ستعلن لجنة التواصل النيابية "استسلامها"، وسيخرج ممثلو الأمة بخطاباتهم المعتادة وشعاراتهم الرائعة ليحمّلوا بعضهم البعض المسؤولية، فكلّ فريق سيبرئ نفسه وسيزعم أنه كان مستعدا لما يسمونه "التضحية" و"التنازل" إلا أنّ "خصمه" هو الذي كان متشبثا بموقفه..
كلّ ذلك لا يهمّ، المهم أنّ اللجنة فشلت، أو هي ربما نجحت في تحقيق هدفها الحقيقي، التمديد، التمديد الذي لم يعد المسؤولون "يخجلون" من الاقرار به باعتبار أن "لا مفرّ منه"!
بري لن يجد حرجا..
قالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. هو لن يجد حرجا في مصارحة الرأي العام اللبناني والاقرار بأنه فشل في التوصّل الى قانون توافقي، رغم كل ما يملك من قوة قانونية وتشريعية وسياسية ومعنوية. يكاد يكون ذلك مجرّد "تمهيد" لدفن لجنة التواصل ومشاريعها بعيد الجلسة التي تعقدها اليوم، الجلسة التي يفترض أن تكون "الأخيرة" وفقا لبري نفسه، إذ "ليس مناسباً أن نستمرّ في النقاش فيما القوى السياسية تقدّم ترشيحاتها للنيابة على أساس قانون الستين".
هكذا إذا، بات فشل اللجنة في التوصل لأيّ نتيجة الأكثر ترجيحا، ولعلّه يحوز على نسبة 99.99 بالمئة من الترجيحات قبل ساعات قليلة من موعد الاجتماع "الموعود". أما الخطوة التالية فستكون "مخرج التمديد"، كما توحي كلّ المؤشرات، علما أنّ بري، الذي أعلن معارضته للتمديد ليوم واحد، حرص على لفت الانتباه إلى أنه سيكون من اكثر الناس سيراً في التمديد "إذا كان لشيء محدّد، وبناء على اتفاق واضح يُبنى عليه وليس تمديداً عبثياً"، علما أنه حرص على القول أن التمديد التقني لا يُحتسب تمديدا وأنه يتم بتعديل مادة واحدة.
وفيما لا يزال "ممثلو الأمة" يتنصلون من حقيقة سعيهم للتمديد رغم كلّ المؤشرات، برز كلام لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتشديده على ضرورة وقف تجاهل الحقيقة، وهي ضرورة التوافق بين مكونات مجلس النواب على تمديد معيّن يظل، لافتا إلى أنّ هذا التمديد، أياً تكن الاعترافات والتحفظات عنه، افضل من ادخال مؤسسة المجلس النيابي والبلاد في فراغ دستوري مدمر، مع تأكيده أنه لا يمكن الحكومة الحالية التي تتولى تصريف الاعمال ان تجري الانتخابات على أساس قانون الستين لان هناك مخالفة واضحة للقانون لعدم تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات.
طرابلس ركضت للسلام..
وبانتظار إعلان المجلس النيابي "إنجازه العظيم"، كانت البلاد تعود إلى "اضطراباتها الأمنية" من البوابة الطرابلسية التي كانت تركض صباحا من أجل "السلام" فإذا بها تشتعل نهارا، على وقع الأحداث السورية، ولا سيما معركة القصير التي بدأت رسميا خلال الساعات القليلة الماضية، فيما كانت الصواريخ تستمرّ بـ"التساقط" فوق منطقة الهرمل، دون أيّ حسيب ورقيب، الأمر الذي يعيد رسم علامات الاستفهام حول مفهوم سياسة "النأي بالنفس"، التي يقول الجميع أنها سياسة "حكيمة"، وإن كانت لا تزال تحتاج لترجمة "عملية" بعيدا عن "النظريات".
في الميدانيات، اشتدت وتيرة الاشتباكات بين محاور التبانة والقبة وجبل محسن بعد منتصف الليل، حيث توسعت دائرة المعارك واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية التي ترددت صداها في أرجاء المدينة، علما أنّها عادت وتراجعت مع ساعات الصباح الأولى، وإن بقي يُسمع بين الحين والآخر رصاص متقطع. واستمر الجيش اللبناني في الرد على مصادر النيران بهدف ضبط الأوضاع، كما ارتفعت حصيلة الضحايا إلى قتيلين، بعد مقتل عبد فارس في التبانة الذي أضيف إلى القتيل محمد يوسف من جبل محسن.
سياسيا، وفي ظلّ "الصمت" الرسمي عن كلّ ما يجري، برزت بعض المواقف المتشنّجة التي لا توحي بالتهدئة، حتى أنّ بعض "الناشطين" أطلقوا معادلات غير بريئة على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار معادلة "جبل محسن مقابل القصير"، في وقت لفت كلام للأمين العام لـ"الحزب العربي الديمقراطي" رفعت علي عيد لفت فيه إلى أنّ "المسلحين من باب التبانة فتحوا معركة مع جبل محسن ردا على الضربات التي يتلقاها حلفاؤهم في القصير على يد الجيش السوري"، متوعدا بـ"فتح النار والرد كما يجب إذا توقف الجيش عن الرد على مصادر النيران وأعلن عدم قدرته على فرض التهدئة".
كلمة أخيرة..
لم يعد التمديد مجرّد كلمة في الهواء، بل هو بات أمرا واقعا، وما إرجاء الاعلان عنه إلا بانتظار "المخرج" الذي يمرّ من خلاله، حتى أنّ البعض لا يستبعد أن يكون الاجتماع الأخير للجنة التواصل مخصّصا للبحث عن هذا "المخرَج" فقط لا غير..
ولأنّ التمديد بات أمرا واقعا، بعد "تمثيلية" فشل ممثلي الشعب في "التوافق"، قد يكون الأوان قد حان لاعادة النظر في أمور كثيرة، لعلّ أولها البرلمان الذي سعى للتمديد لنفسه، مباشرة أو مواربة عبر إنتاج قانون يعيد إنتاج الطبقة نفسها..
أحد النواب، دعاة "الديمقراطية"، قال قبل يومين أنّ الوضع "دقيق"، وأن المطلوب الوصول لقانون يحافظ على "التوازنات" إياها.. هذا هو مفهوم "الديمقراطية" في بلد يدّعي أنه بلد "الديمقراطية"، الذي انبثق منه ما سُمّي بـ"الربيع العربي"!