إلى مصر وتونس، "بوابتي" ما سُمّي بـ"الربيع العربي"، تتّجه الأنظار من جديد لتراقب "استحقاقات" قد لا يكون الخروج منها باليسير والسهل..

الدولتان، اللتان افتتحتا مسلسل التخلص من "حكم الطاغية" وقدّمتا دروسا معبّرة لشعوب العالم بأسره، لم تنعما بالهدوء والاستقرار اللذين حلمتا بهم، بل إنّها لا تزال تعيش "تردّدات" الانتصار الذي حقّقتاه، بعد دخول "طوابير خامسة" بالجملة على الخط، ما أدى لضياع البوصلة في أكثر من اتجاه..

في تونس، عاد مسلسل "الاغتيالات" ليضرب المعارضين للحكم الذي نشأ بعد "الثورة" في مشهد "سوداوي" يكاد يقضي على كلّ "الانجازات"، وفي مصر، لا تبدو الصورة أفضل حالا، بعد عزل الرئيس "الاخواني" محمد مرسي على وقع التظاهرات المطالبة برحيله، و"حرب الشوارع" التي انطلقت بعد ذلك..

وسط ذلك، يبقى لبنان يبحث عن "ربيعه" الذي لا يبدو آتيا، وهو "العاجز" عن تشكيل حكومة بالحدّ الأدنى، في وقت يبقى وضعه الأمني الهش في صدارة الاهتمام، وسط مخاوف مشروعة زادت بعيد تصنيف "الاتحاد الأوروبي" ما أسماه "الجناح العسكري لحزب الله" والذي أرفقه بـ"انفتاح غير مسبوق" على الحزب بدا أكثر من لافت..

إيخهورست في معقل "حزب الله"!

في معقل "حزب الله" الذي صنّف "الاتحاد الأوروبي" ما أسماه بـ"جناحه العسكري" كمنظمة "إرهابية"، تنقّلت سفيرة الاتحاد في لبنان أنجيلينا إيخهورست، حيث التقت مسؤول العلاقات الدولية في الحزب السيد عمار الموسوي ووزير التنمية الادارية في حكومة تصريف الأعمال ​محمد فنيش​ بشكل منفصل، طالبة لقاءً ثالثاً مع وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن، وهو لقاء رجّحت مصادر متابعة أن يُعقد يوم الاثنين.

وفي حين كشفت المصادر لـ"النشرة" أنّ هذه اللقاءات تتمّ بطلب من إيخهورست نفسها التي تحرص على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الحزب، بشكل لم تشهده العلاقة بين الجانبين قبل صدور القرار الشهير حتى، لفت حرص الأخيرة على القول أنّ هذا القرار "لا يبرر اي تحرك او اي هجوم لأي دولة وحتى لاسرائيل على لبنان"، فيما جدّد الموسوي القول أنه يشكّل إهانة للشعب اللبناني وللكثير من الدول العربية بالقول لهؤلاء "ان مقاومتكم التي حررت ارضكم هي ارهابية"، وهو رفض "منطق" المصافحة باليد والتهديد باليد الثانية.

وسط ذلك، لم يُسحّل أيّ جديد على الخط الحكومي، بل إنّ عضو كتلة "المستقبل" النائب ​جان أوغاسابيان​ حسم الملف سلبيا، في حديث لـ"النشرة"، حيث خلص إلى أنّ الأمور أقفلت نهائيا ولا مخارج متاحة على الاطلاق، منطلقا في هذا "الاستنتاج" من إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير أنّ الحكومة لن تُشكّل من دون الحزب، الأمر الذي "زاد الأمور تعقيدا".

وفي وسط غابة "الجمود" هذه، "تحرّك" ملف ​التمديد​ لقادة الأجهزة الأمنية بشكل لافت مع بدء "العدّ العكسي" للأول من آب، عيد الجيش، حيث ذكرت المعلومات أنّ التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان سيصدر الاثنين المقبل متزامنا مع انعقاد المجلس الاعلى للدفاع في قصر بعبدا اي عشية عيد الجيش في الاول من آب، علما أنّ صحيفة "النهار" ذكرت أنّ وزير الدفاع الوطني فايز غصن انجز مرسوم طلب تمديد الخدمة لكل من قائد الجيش ورئيس الاركان في انتظار عودة الرئيس سليمان الى بيروت لتوقيعه مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.

ساحات "الحرية" تعود..

ومن لبنان إلى ساحات "الحرية" في مصر وتونس التي تعود إلى "الواجهة" خلال الساعات المقبلة، بدءا من تونس التي استيقظت الخميس على جريمة اغتيال جديدة طالت هذه المرة عضو "المجلس الوطني التأسيسي" المعارض محمد البراهمي أمام منزله في حي الغزالة في ولاية أريانة شمالي شرق البلاد، ما أدى إلى مقتله على الفور. وهزّت هذه الجريمة الشارع التونسي وتزايدت حالة الاحتقان والتوتر، وترافق ذلك مع دعوة "حركة تمرد" التونسية للنزول إلى الشارع والمطالبة بحل "المجلس التأسيسي" والاعتصام "حتى سقوط النظام"، علما أنّ أرملة البراهمي مباركة عواينية أعلنت أن جنازة زوجها "ممنوعة عن الرئاسات الثلاث وعن أحزاب الترويكا". وفور شيوع نبأ الاغتيال، عادت شوارع تونس لتمتلئ بالحشود والتجمّعات ولتصدح شعارات مناهضة للحكم الحالي على غرار " يسقط حكم الإسلاميين"، فيما استعملت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

وإلى مصر، التي يخشى البعض فصول "حرب شوارع" جديدة على أراضيها خلال الساعات المقبلة، في ضوء الدعوة التي وجّهها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي للنزول إلى الشوارع "لمنح القوات المسلحة تفويضا ضد العنف والارهاب" والدعوة المضادة التي وجّهها "الاخوان المسلمون" المصرّون على عدم ترك الشوارع قبل عودة ما يصفونها بـ"الشرعية"، في وقت بدا مستغربا التشبيه الذي لجأ إليه مرشد "الاخوان" محمد بديع حين قال أنّ ما يقوم به السيسي يفوق فعلا "هدم الكعبة الشريفة"، مع ما يمكن لهذه العبارة أن تحدثه من "هزات" و"ارتدادات" على أكثر من صعيد. وعشية "حرب المليونيتين"، أمهلت القوات المسلحة المصرية "الاخوان المسلمين" 48 ساعة للانضمام الى العملية السياسية المدعومة من الجيش، مؤكدة انها ستغير استراتيجيتها للتعامل مع ما سمته العنف والارهاب الاسود، في اشارة الى احتمال استخدام اسلوب أشد في مواجهة الاعتصامات والتظاهرات التي تنظمها الجماعة وكذلك اللجوء الى الحسم العسكري ضد الجهاديين الذي يواصلون هجماتهم على المواقع العسكرية في شبه جزيرة سيناء منذ عزل الرئيس محمد مرسي.

كلمة أخيرة..

في معقل "حزب الله" وحتى ما سمي بـ"جناحه العسكري"، تنقّلت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا إيخهورست، وقضت أكثر من ساعة مع من يُفترض أنهم مصنّفين "إرهابيين"، دون أن تخاف على أمنها وتتخذ تدابير استثنائية مواكبة..

لعلّ هذا المشهد كاف للدلالة على أنّ قرار الاتحاد الأوروبي بحقّ "حزب الله" هو معنوي أكثر مما هو عملي، خصوصا أن لا عقوبات يمكن البناء عليها على هذا الصعيد، بل إنّ الاتحاد أرفق قراره هذا بـ"انفتاح" لم يسبق له أن اعتمده تجاه الحزب، الذي أكد أنه لا يمانع أن يكون جزءا من الحكومة العتيدة..