لا يبدو أن الطبقة السياسية قادرة على الإتعاظ من الماضي، بات من الواضح أن كل فريق ذهب بعيداً في مواقفه السياسية إلى مكان باتت العودة منه شبه مستحيلة، ولا يمكن لأي حادث أمني أن يدفعه إلى التوقف قليلاً من أجل التفكير بالحالة التي وصلت إليها البلاد.
من المؤكد أن الفلتان الأمني الذي يشهده لبنان منذ مدة، والذي توج في الفترة الأخيرة من خلال الرسائل الصاروخية والعبوات الناسفة التي تستهدف المدنيين، وجد له بيئة حاضنة في الإنقسام السياسي الذي تخطى كل الحدود، حتى باتت القوى السياسية ترفض الجلوس إلى طاولة الحوار من أجل التوافق على بعض الأمور التي قد تمنع إنزلاق البلاد نحو المجهول.
الإنقسام السياسي ساعد الخلايا الإرهابية
لا يمكن القول أنّ الإنقسام السياسي الحاد في البلاد بعيد عن الخلايا الإرهابية التي تستبيح الساحة اللبنانية، حيث وجدت هذه الخلايا بيئة مساعدة لها في هذا الإنقسام، لا بل هي كانت في الفترة الأخيرة حاضنة لها، لا سيما بعد الذي حصل في أحداث عبرا.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي جوني منير أنّ هذا الإنقسام هو من العوامل المساعدة على حصول العمليات الإرهابية، ويشير إلى وجود نوع من الحماية والتشجيع لها من خلال بعض المواقف التي باتت تبررها في الكثير من الأحيان.
ويتطرق منير، في حديث لـ"النشرة"، إلى ما حصل في الفترة الأخيرة مع عصابة الإرهابي أحمد الأسير في عبرا، ويشير إلى أن هذه العصابة هي نوع من أنواع القاعدة التي تأمنت لها الحماية من خلال المواقف السياسية التي ساعدتها على العمل بكل حرية، وينتقد وضع أي حادث يقع في سياق الصراع المذهبي في المنطقة.
من جانبه، يعتبر الصحافي والمحلل السياسي إبراهيم عوض أنه منذ إنطلاق الشرارة الأولى للأحداث السورية كان الجميع يدرك بأن لبنان لن يكون بمأمن عن تداعياتها، ومن ثم تتابعت الأحداث في سوريا وأخذت منحى آخر، بعد أن تحولت القضية من مطالب اصلاحية الى حرب داخلية تقف خلفها دولية عربية وأجنبية، ولم يعد المشهد السوري محصوراً بحدودها بل تطايرت شظاياه لتصيب لبنان.
ويلفت عوض، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الجو السياسي في ظل هذا الإنقسام السياسي حول سوريا بدأ يتفاعل ويتعاظم بكل الاتجاهات حتى باتت الساحة مكشوفة بالكامل، ويعتبر أن الجميع لم يعد يتفاجأ بالإنفجارات والإغتيالات التي تحصل، خصوصاً أن كبار المسؤولين تحدثوا عنها، ويذكّر بالكلام الصادر عن وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن حول وجود "القاعدة" في عرسال، حيث ووجه بالإستهجان والاستهزاء من قبل جهات في قوى الرابع عشر من آذار.
المواقف السياسية تزيد من الإنقسام
وعلى الرغم من هول الجريمة التي وقعت في منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية، لا يبدو أن الطبقة السياسية اللبنانية سوف تتّعظ من أجل حماية البلاد من الإنزلاق نحو المجهول، حيث كان كل فريق يغني على ليلاه في إستنكاره للجريمة.
وفي هذا السياق، يؤكد منير أن الإسرائيلي هو المستفيد من هذه الجريمة في نهاية المطاف، لكنه يستبعد أن يكون هو المنفذ، ويشير الى أنها ساهمت في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء السياسيين من خلال التضامن مع الضحايا وإستنكار التفجير، إلا أنه يلفت الى أن كل فريق قرأ ما حصل من وجهة نظره الخاصة التي تزيد من الإنقسام القائم.
ويشدد منير على أن دخول سلاح الانتحاريين إلى الساحة اللبنانية يهدد بكارثة على صعيد الوطني، ويشير إلى أن هذا الأمر سوف يضع لبنان على طريق العرقنة.
من جهته، يرى عوض أن الإستنكار تحصيل حاصل من قبل أي سياسي، لكنه يشدد على أن المسألة لا يجب أن تتوقف عند هذا الحد، بل يجب أن تقترن الأقوال بالأفعال، ويعتبر أن على كل السياسيين رمي الخلافات جانباً واعتبار أن سياسة اليد الممدودة هي المطلوبة في الوقت الحالي.
ويؤكد عوض أنه في حال عدم حصول هذا الأمر في الأيام المقبلة ستكون البلاد أمام المزيد من التفجيرات والاهتزازات التي ستؤدي إلى إشعال فتنة مذهبية، ويشدد على أن المواقف السياسية خجولة جداً.