على وقع "أزمة التعطيل" المتوقّع استمرارها وتفاقمها، برز تحرّك في اتّجاه بكركي، تمثّل بزيارة عضوي كتلة "المستقبل" النائبين أحمد فتفت وهادي حبيش للصرح البطريركي، التي فُسّرت على أنّها بداية كلام في الانتخابات الرئاسية وغيرها من الملفّات العالقة، في سياق الفراغ الآتي في كلّ المؤسّسات.
في ظلّ أزمة بدأت تأخذ طابعاً كيانيّاً بفعل التعطيل الكامل على مستوى المؤسّسات، الذي يقود تدريجاً إلى الفراغ المتوقّع في رئاسة الجمهورية، حصلت زيارة وفد "المستقبل" لبكركي، التي أُعطِيت طابعاً رئاسياً، وذلك على الرغم من أنّ مضمون هذا اللقاء هدفَ الى عرض وجهات النظر حول مشروع قانون تبنّاه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعد أن أعدّه النائب السابق مخايل الضاهر والوزير السابق زياد بارود.
مضمون هذا المشروع كان في صلب اللقاء بين الراعي وفتفت وحبيش، وهو الذي ينصّ على إجراء انتخابات نيابية على أساس القضاء، وفق معادلة أن تنتخب الطوائف نوّابها في الأقضية المختلطة على قاعدة التصويت الأرثوذكسي، وأن تحصل الانتخابات في الأقضية الصافية طائفيّاً (كمقاعد) بنحو طبيعي.
في هذا النقاش أبلغ وفد كتلة "المستقبل" إلى الراعي رفضه المشروع، لاعتبارات عدّة أبرزها كونه يؤدّي جزئيّاً إلى آليّة الانتخاب الأرثوذكسي نفسها، وأخذ الراعي علماً بموقف "المستقبل"، مع ما يعني ذلك من طيّ للمشروع ووضعه في الأدراج.
في مرحلة ما بعد تأجيل الانتخابات النيابية، يبدو الكلام عن الانتخابات الرئاسية نوعاً من البحث خارج سياق الموضوع، خصوصاً إذا ما أرفق باستعراض الأسماء، فالسيناريو الذي سبق تأجيل الانتخابات النيابية، غاص في نقاش لم ينتهِ حول قانون الانتخاب، فيما كان فريق 8 آذار يعمل على الإلهاء لتعطيل الانتخابات. أمّا اليوم فإنّ فتح بازار الانتخابات الرئاسية بالأسماء لا يبدو بعيداً من أن يشبه النقاش في قانون الانتخاب، في ظلّ توجّه فريق 8 آذار نفسه إلى تعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية إذا لم يضمن وصول مرشّحه للرئاسة.
من هنا يُستنتج أنّ فتح قناة الاتصال بين بكركي وتيار "المستقبل" في الموضوع الرئاسي، يشبه البحث في نتائج حدث لن يحدث، طالما إنّ مبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية مشكوك في حصوله من الأساس.
وما يصحّ في موضوع بورصة الأسماء الرئاسية، يصحّ أيضاً في الجدل الدستوري حول نصاب جلسة الانتخاب. فهذا الجدل يستبق جلسة انتخاب سيمنع حزب الله انعقادها إذا لم تؤدِّ إلى اختيار مرشّحه للرئاسة، أو على الأقلّ، إلى اختيار من لا يضع عليه "فيتو، أي من يتعهّد بضمانات في موضوع السلاح.
في هذه المناخات يتحرّك الراعي لممارسة ضغط يسبق الفراغ الرئاسي، وهذا الضغط قد يتّخذ أشكالاً عدة، كالتي أنتجت زيارة وفد "المستقبل" لبكركي. وعُلم في هذا الإطار أنّ البطريرك سيجري مشاورات عدة مع القوى السياسية، لمعرفة رأيها في طريقة التعامل مع الاستحقاق الرئاسي. وفي المعلومات أنّ بكركي يمكن أن تطرح لتسهيل التوصّل إلى توافق رئاسي لائحة من سبعة أسماء أساسية هي: الرئيس أمين الجميّل، النائب ميشال عون، النائب سليمان فرنجية، الدكتور سمير جعجع، الدكتور رياض سلامة، النائب السابق جان عبيد، العماد جان قهوجي.
ويغيب عن هذه اللائحة مرشّحون بارزون كالنائبين بطرس حرب وروبير غانم، وهي تأتي في الروحية نفسها التي طرح من خلالها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مجموعة الأسماء الرئاسية تجنّباً للفراغ الذي عاد وحصل عام 2008، فهل سيؤدّي مسعى بكركي هذه المرّة إلى تجنّب كأس الفراغ؟ أم أنّ ما سيُطرح من أسماء سيكون مصيره الفشل بسبب "الفيتوات" و"الفيتوات" المضادة؟