في الوقت الذي يُحكى فيه عن العديد من الانجازات والنجاحات التي حققتها قوى اليسار الفلسطيني على صعيد مسيرة النضال الفلسطيني، وطرح البرامج والمبادرات والعمل على إعادة الوحدة الوطنية في ظل حالة الانقسام، فضلاً عن انتمائها لفكر الطبقة الكادحة وفكرها التقدمي والاشتراكي الذي تعمل من خلاله، تبرُز جملة من الاخفاقات التي لعبت دوراً أساسياً في مسيرتها النضالية، وعدم توحيد هذه القوى وتراجع انجازاتها في مختلف الأصعدة، إلى جانب حالة المد الثوري التي شهدتها المنطقة والمتمثلة في صعود قوى المال والاسلام السياسي، لكن الحديث عن التفكك الداخلي التي تعيشه يبقى في الواجهة، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع دورها الريادي ومكانتها كقوى فاعلة في الحالة الفلسطينية التي تطلب وحدة الموقف والصف والهدف.
صعوبات وانجازات
وفي هذا السياق، أوضح عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان أنّ مسيرة الجبهة مرتبطة بشكل أساسي بمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي تتحمل الصعوبات والاخفاقات التي مرت بها الحركة الوطنية بغض النظر عمن يتحمل مسؤولية ذلك.
وفي حديث لـ"النشرة"، اعتبر زيدان أن من أهم ميزات الجبهة وانجازاتها، تحديث الفكر السياسي الفلسطيني من خلال المبادرة لإطلاق البرنامج المرحلي الذي اصبح برنامج منظمة التحرير وبرنامج الاجماع الوطني وعدة برامج أخرى، لافتاً إلى أن الجبهة الديمقراطية باستمرار كانت تقدم الوحدة الوطنية الفلسطينية على أي مسألة او قضايا اخرى.
وأوضح زيدان أن الجبهة الديمقراطية كانت تعمل باستمرار على طرح البرامج التي تمكن من إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد الموقف الفلسطيني، فضلا عن تبنيها من خلال استراتيجية تدمج بين المقاومة والعمل السياسي.
واعتبر زيدان أن إنهاء الانقسام المدمر هو نقطة أساسية في برامج عملنا كيسار وكجبهة ديمقراطية، مشدداً على أنه ومنذ الأيام الأولى للانقسام الذي حصل في 14 حزيران 2007، كانت الجبهة من أول المقدمين للمبادرات التي تطالب باستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، مشيراً إلى أنّ كل هذا يأتي في سياق نضالنا وعملنا للقضية الوطنية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.
تفكك وأزمات
في المقابل، أكد وليد المدلل عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، أن قوى اليسار كافة هم رفاق الفكر والسلاح والنضال في ساحات متعددة، وهم في طليعة القوى المناضلة التي لا زالت تعمل من أجل إقرار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وقد عبرت عن انتمائها لفكر الطبقة العاملة والفكر التقدمي والاشتراكي في محطات معينة، وجسدت ذلك قولاً وفعلاً.
لكن العوض في حديثه مع "النشرة" شدد على أن حالة المد الثوري التي شهدتها المنطقة بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، كان لقوى اليسار دور أساسي ومركزي فيها، لافتاً إلى أنّ مرحلة الجذر وصعود قوى المال السياسي والاسلام السياسي، أثر بشكل كبير على دور قوى اليسار على الساحة الفلسطينية، وفق قوله.
وأضاف العوض: "هذا يتجلى بالأزمة الحالية التي تعصف بالساحة الفلسطينية، إذ أن هناك قطبين على الساحة يتقاسمان النفوذ قوى تمثل المال السياسي وقوى تمثل الإسلام السياسي، وكلاهما بعيد عن تبني قضايا الناس والأمور الحياتية للشعب الفلسطيني، ويفتقد إلى برنامج حقيقي من أجل استعادة الحقوق الوطنية المشروعة".
واعتبر العوض أن قوى اليسار وإن كان هناك تقارب سياسي وفكري وأيديولوجي فيما بينها، إلا أنها تعيش حالة من التفكك، إذ أنّ هذا يضعف دورها ومكانتها على الساحة الفلسطينية.
توحيد ونضالات
وفي سياق متصل، أكدت مريم أبو دقة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على أن الجبهة لا زالت تناضل جنباً إلى جنب مع كل القوى الوطنية الفاعلة، وعلى رأسها حركتي "فتح" و "حماس"، من أجل تحقيق البرنامج الوطني المتكامل، وإنهاء كل الخلافات الموجودة على طريق تحرير فلسطين التي هي أكبر من الجميع.
وفي حديثها مع "النشرة"، قالت أبو دقة: "إن الجبهة الشعبية جاءت من أجل فلسطين وليس من أجل تحويلها إلى هذا الفصيل أو ذاك، وناضلت وضحت ولا زالت تقدم كل ما باستطاعتها لأجل القضية والوطن، واستعادة الحقوق المسلوبة، مشددة على أن رسالتها هي الوحدة الوطنية وتوحيد كل القوى، على طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وبينت أن المطلوب في المرحلة الحالية توحيد كل الأطر والفصائل الفلسطينية، من أجل مواجهة الاحتلال ومخططاته الرامية إلى تهويد وسلب الأرض والهوية.
في المحصلة، فإن حالة التفكك بين قوى اليسار الفلسطيني رغم نجاحها في قضايا وطنية عدة، واخفاقها في أخرى، باتت واضحة ما يتطلب الخروج من أزمتها القائمة، والاتجاه نحو وحدة كل القوى وذهابها نحو تشكيل جبهة يسار فلسطيني موحد، وهو ما يمكن أن يشكّل قارب نجاة للشعب الفلسطيني ولطبقات الفقراء والكادحين التي تتبناها وتنادي بها هذه القوى لتحقيق كل ذلك.