تستعد سورية لحدث الانتخابات الرئاسية في صيف العام الجاري، ولذلك تعمد الحكومة السورية إلى تهيئة المسرح ليكون جاهزاً على جميع الأصعدة؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية، إضافة إلى الأوضاع الحياتية المُلحّة والأساسية، حيث تبدو الأمور في نواحٍ مهمة في تحسين مضطرد، رغم الظروف القاهرة والصعبة التي تمر بها البلاد، ومن الملاحظ أن الأداء ارتقى بالمسؤولية الوطنية إلى مستويات لم تكن كذلك قبل الأزمة الراهنة، والمرشحة لأن تطول كثيراً.
لكن ورغم ذلك، فالمسؤولون في دمشق ينصرفون إلى متابعة عملهم، وبجهد لافت، وما المصالحات والتسويات التي حدثت مؤخراً في ريف دمشق سوى ثمرة لهذه الجهود المضنية، بعد أشهر طويلة من العمل الدؤوب.
كذلك فإن القيادة في دمشق منهمكة بشكل متواصل لمتابعة الأمور على صعد عدة، ضمن خطط بعضها بعيد عن الإعلام وضغط الوقت، ليس أهمها ما يجري على الحدود الأردنية في منطقة درعا، حيث المعلومات تفيد بالتحضير لمعركة عسكرية من الحدود الجنوبية يخطَّط لها من الأردن بإشراف المخابرات المركزية الأميركية و"الإسرائيلية" والسعودية، بدأت بشق طريق معبّد لمرور عربات ومدرعات، وذلك في محاولة لتكرار تجربة معركة الغوطة في تشرين الثاني من العام الماضي، والتي شارك فيها آلاف المقاتلين، انتهت إلى مقتل نصفهم وهروب الباقين.
يُراد من هذه المعركة - إن حصلت - التوغل إلى عمق الأراضي السورية، لزعزعة دفاعات دمشق المتينة، وحصول تغيير في قواعد اللعبة لاستثمارها في الميدان السياسي، في إطار لعبة عض الأصابع الدولية، ويقال إن أكثر من خمسة عشر ألف مقاتل درّبهم الجيش الأردني باتوا مستعدين لساعة الصفر، لكن الأمور في خواتيمها، حسب المصادر.
على المقلب الآخر، وفي الجبهة الغربية، أي في القلمون القريبة من السلسلة الشرقية لجبال لبنان، الأمور مختلفة هناك، فعملية الحسم العسكري ضد آلاف المسلحين الذي يحتمون في تضاريس الجبال الوعرة على مقربة من كبرى بلداتها - يبرود، في هذه البقاع يتقدم الجيش السوري وقوات الدفاع الشعبي، والمسلحون يتقهقرون.
في مخيلتهم العسكرية أنهم يريدون استدراج الجيش إلى شوارع المدينة لاستسهال ضربه، لكن من قال إن الجيش يريد دخولها مباشرة؟
المعلومات المؤكدة من المراجع العسكرية في غرف العمليات والميدان تقول إن الجيش يهدف إلى عزل يبرود عن محيطها، وقطع حبل الوريد إلى عرسال، حيث تعبر السيارات المفخخة إلى مناطق محددة في لبنان، وفصل يبرود عن السلسلة الشرقية، حيث استطاعت المدرعات وبدون صعوبة دخول قرية جراجير وجزء من رأس المعرة، وصولاً نحو السحل والفليطة، وبالتوازي تمت السيطرة على كل التلال كتلتي الكويتي والعقبة المهمتين للغاية في تلك المنطقة، وأيضاً أخذ الفلوات الفاصلة والفارغة حتى مزارع ريما، وتم إلى الآن إقفال العديد من مسارب الطرق وأخطرها الرزامة مباشرة وبالنار، ومن المعلوم أن المنطقة معقدة وطويلة، ولا يوجد فيها كثافة أشجار للتخفي، إنما هي جرداء بصورة عامة، مع كهوف ومغارات صخرية عالية، كل ذلك للوصول إلى المرحلة الأخيرة، وهي فكفكة يبرود من الداخل، حيث تنتظر مجموعات استخبارية جاهزة لضرب الداخل والعمل على استسلام كل المقاتلين أو قتلهم، لكن المعركة لن تكون حرباً مباشرة كما جرى في القصير، حسب ما تؤكده المصادر العسكرية التي اعتمدت تكتيك حشر المسلحين في الجغرافيا، وعزلهم وفرض أسلوب قتالي عليهم لا فرار منه.
العملية العسكرية ترتفع وتيرتها بشكل يومي، رغم قساوة الطقس، وتفتح الثغرات بكفاءة عالية، حيث يتشكل حصار خانق لإقفال كل المسارب إلى يبرود، وتمكّن الجيش حتى الآن من كسر خط الدفاع الأول في مزارع ريما، وتثبيت نقاط رصد ومراقبة له، بهدف القيام بعمليات توغّل بعد اتساع مدى الرؤية للجيش السوري، الذي يفرض وجوداً عسكرياً كبيراً، واستقدم قوات النخبة لتحقيق أفضل النتائج، وبوقت قصير.
العمل جار لتحضير معركة قريبة ستعجّل من انهيار المجموعات المسلحة المحشورة في بقعة ضيقة وصعبة طبوغرافياً، ما سيجعلهم ضمن حلقة نار تمتد من الغوطة الشرقية حتى حدود لبنان، وتجزم المصادر أن معركة يبرود ستنتهي إلى انتصار ضخم سيكون قاسياً على المسلحين ورعاتهم، وإنجازاً كبيراً للجيش السوري وحلفائه، بعدما يكون قد أطبق بالكامل على كل المسلحين، وسيطر على المنطقة الواسعة جغرافياً من ريف دمشق حتى حدود لبنان الشرقية والشمالية بطول مئات الكيلومترات.