بمجرّد سقوط مطار الطبقة في محافظة الرقّة، بعد سلسلة من الهجمات العنيفة المتتالية عليه، إتجهت عيون تنظيم "الدولة الإسلاميّة" الإرهابي إلى مطار دير الزور العسكري والذي يبعد نحو 10 كيلومترات شرق مدينة دير الزور نفسها. وتحدّثت الأنباء الواردة من محافظة دير الزور عن عمليّة حشد وتجميع قوى يُنفّذها مسلّحو "داعش" في المنطقة، تمهيداً لإطلاق هجمات متتالية على مطارها الذي يُمثّل أهمّ حصون الجيش السوري في المحافظة كلّها. فما هي إحتمالات تكرار "سيناريو" سقوط مطار الرقّة فيها؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النظام السوري حاول التخفيف من سقوط مطار الطبقة بالقول إنّه نفّذ إنسحاباً تكتيكياً منه، علماً أنّ هذا الأمر جاء بعد أقّلّ من 24 ساعة فقط على جولة إعلامية نظّمها في الموقع ومحيطه تأكيداً على صمود المطار أمام الهجمات المتكرّرة عليه، وهذا أمر غير منطقي. كما أنّ المجازر المروّعة وعمليّات القتل الهمجي والتنكيل بالجثث التي نفّذها إرهابيّو "داعش" بحق جنود النظام الذين كانوا يدافعون عن المطار حتى سقوطه تنفي هذا الأمر، مع الإشارة إلى أنّ النظام سحب أغلبيّة الطائرات والطوّافات من المطار عند التأكّد من أنّ مسألة سقوطه باتت وشيكة، لكن الوحدات البرّية التي هربت إلى مناطق قريبة سرعان ما حُوصرت من قبل مسلّحي "داعش". أكثر من ذلك، وإذا كانت نظريّة الآلة الإعلامية الموالية للنظام صحيحة بالنسبة إلى تعمّد الإنسحاب من مطار الطبقة لجعل مقاتلي "الدولة الإسلامية" في إحتكاك مباشر مع دول الجوار لدفعها حُكماً إلى الدخول بالمواجهة، فإنّ مطار دير الزور هو أقرب إلى الحدود منه من مطار الطبقة، وهذه النظريّة تصحّ عليه أكثر.
لكن وبعيداً عن هذه التبريرات غير الصحيحة، يمكن التوقّف عند عدد من المعطيات التي تُحدّد ما ينتظر مطار دير الزور، وهي:
أوّلاً: إنّ مطار الطبقة كان محاصراً تماماً، والهجمات المتتالية عليه في الأسبوع الأخير قبل سقوطه، جاءت بعد خسارة موقعين أساسيّين للجيش السوري في محافظة الرقّة في الأسابيع القليلة الماضية (أي موقعي الفرقة 17 واللواء 93 في المنطقة)، ما جعله الموقع الأخير المهم للنظام في كامل محافظة الرقّة، بينما مطار دير الزور شبه المحاصر أيضاً ليس الموقع الوحيد الباقي للنظام في هذه المحافظة، حيث يتمركز الجيش السوري في بعض أحياء مدينة دير الزور، وفي عدد قليل من قرى المحافظة، ما يعني أنّ إنتشاره العسكري هو أكبر جغرافياً ممّا كان عليه في الفترة الأخيرة في مطار الطبقة، ووضعه أقل سوءاً مقارنة بما كان عليه في الرقّة.
ثانياً: إنّ طيران الجيش السوري يقوم منذ لحظة سقوط مطار الطبقة بهجمات دوريّة على مواقع ومراكز وآليات تنظيم "الدولة الإسلامية" في كامل أنحاء محافظة دير الزور. ويستهدف بشكل خاص كل المنطقة القريبة من المطار، بهدف إبعاد أيّ خطر قريب عنه، إضافة إلى مواقع بعيدة وفق بنك أهداف واضح. وإذا كان صحيحاً أنّ الجيش السوري إعتمد نفس الأسلوب قبيل سقوط مطار الطبقة، من دون أن ينجح إلا بتأخير سقوط المطار لبعض الوقت، فإنّ الأصحّ أنّ الغارات التي يقوم بها في محيط مطار دير الزور، وفي مختلف أنحاء المحافظة، هي أكثر كثافة وشراسة، وتستهدف دائرة جغرافية واسعة جداً حول المطار. وقد تردّد في معلومات إعلامية أنّ الجيش السوري نجح في إحدى الغارات على مقر تابع لتنظيم "داعش" في قتل عدد من القياديّين الميدانيّين.
ثالثاً: إنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي يُقاتل على أكثر من جبهة في دير الزور في آن واحد، فهو إصطدم بالأمس القريب بمقاتلين من "جبهة النصرة" ومن "أحرار الشام" قبل إنسحابهم إلى قرى وبلدات خارج مناطق المواجهات، الأمر الذي سمح للتنظيم بالتمدّد جغرافياً، لكن مع إبقاء قوّات عسكرية منه بمواجهة هذين الفصيلين المنافسين. كما يتواجه التنظيم وبعنف مع مقاتلين من عشيرة "الشعيطات"، الأمر الذي يجعل مقاتليه مُوزّعين على أكثر من جبهة في وقت واحد، ما يُضعف قدراته الهجومية.
رابعاً: إنّ طلعات جويّة أميركية سُجّلت في الساعات الماضية فوق دير الزور والرقّة، حيث تردّد من قبل عدد من المحلّلين الغربيّين أنّها للرصد والإستعلام تُحضّر الأجواء لغارات وقصف جويّ سيتم تنفيذه في المستقبل القريب على مواقع ومراكز "الدولة الإسلامية" في دير الزور وغيرها، لإضعاف قدراتها اللوجستية في المناطق القريبة من الحدود العراقية وربما من الحدود التركية.
في الخلاصة، يمكن القول إنّ المعارك في سوريا مفتوحة على مصراعيها، وفي الوقت الذي يُسجّل الجيش السوري تقدّماً ملحوظاً في أكثر من موقع وجبهة، خاصة في الغوطة الشرقيّة، يتعرّض لضغط برّي كبير في محافظة دير الزور، وفي مطارها العسكري تحديداً. وهو يحاول تعويض هذا الأمر عبر تفعيل الدعم الجويّ للقوات البرّية المتحصّنة هناك. وبالتالي، لا يمكن الجزم بقرب سقوط مطار دير الزور – كما تروّج المعارضة، أو بعدمه – كما يؤكّد النظام السوري، لكن الأكيد أنّ معركة عنيفة جداً ستندلع قريباً في منطقة المطار، إلا في حال سبقت هجوم "داعش" المُنتظر عليه غارات أميركيّة محتملة على مواقع التنظيم في المحافظة، كما توقّع أكثر من خبير عسكري أميركي.