تتبعثر الكلمات على مذبح الخلود، وتصبح الاحرف مجرد سبيل للقلوب التي تسعى لنيل المراد، فيما باب السرور ندخله بعشق الوالهين الباكين ليس ضعفا ولا انكسار، بل لهفة وانحناء لسيد الشهداء..
غدًا تتشح عواصم المحبين بدمع العاشقين، وتتخذ من راية الحنين دلالة واشارة لعظمة التضحية في زمن البشارة. غدًا يتهافت الالاف الى حرارة اللقاء ويتوزعون بين ازقة الملبين واحياء العازمين على الايثار بما يستطيعون. وغدًا تنتفض ضاحية بيروت الجنوبية وترتدي السواد وتعلن الحداد على سيد الشهداء..
الكل يستعدّ صغارًا وكبارًا، شبابًا وكهولاً، نساء ورجالاً.. ويمضون في ساحات العزاء عند ساعات الفجر الاولى، يخرجون من منازلهم غير آبهين ببرد الشتاء و شمس السماء طالما تنعم ارواحهم بدفء كربلاء، يخرجون غير ابهين بالتهديدات أو التفجيرات، فلا يحول بينهم وبين أب الاحرار أحزمة ناسفة أو عقول خاسفة أو سيارات مفخخة، فالموت يضحي سبيلاً لسيد الشهداء..
وغدًا الكل ينتظر طيف عمامته ونسيم عباءته، الكلّ يزحف الى ملعب الراية يحاول الوصول الى اقرب مسافة من سيد المقاومة، فالكل يترقب اطلالته المباشرة على المنصة الحسينية لتجديد العهد والقسم والولاية.. لتكون هنا نهاية البداية.
غدا تبدأ المراسم عند السابعة صباحا حيث تتجمع الناس ومن ثم تسير الحشود في احياء الضاحية الجنوبية، لتصل الى ملعب الراية حيث فصل الخطاب لسيد الكلام، الذي بترقب ظهوره بين الحشود الغفيرة والالاف الملبين. وبعد الكلام ينتهي المسير وتختفي الناس ومعها الاجراءات والحواجز وتعود الطرقات كما كانت وكأن شيئًا لم يكن.. باستثناء النفوس التي تغسل بدمع الانين، والارواح التي تستفيق من غفوة السنين لتعود وتحيي ثورة الدم على السيف، تلك المدرسة التي طغت على كل اللغات، فعاشوراء ليست طقوسًا وعويلاً، بل نهضة وانطلاقة واحياء للمسير ... مسير سيد الشهداء.