يفرض الارهاب ذاته على جدول اعمال المجتمع الدولي بعد الذي شهدته فرنسا من عمليات متعددة لارهابيين من «ابنائها» على ساحتها. وكذلك عاد الارهاب الى الواجهة في لبنان بعد التفجيرين الارهابيين في جبل محسن اللذين نفذهما ابنا الاحياء المجاورة لمكان الانفجار، دون ان يكون هذا النوع من الارهاب قد سقط يوما من حساب الدول كافة التي كانت تتوقع تناميه، وفي موازاة ذلك كان تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» يستمر في اعطاء الدروس الارهابية عبر عدة وسائل وفي عدة مناطق خاضعة له او خارجها على مدى الاقليم العربي المستمر بالصراع المذهبي على وقع مقولة من «وُجد» قبل الاخر «البيضة» ام «الدجاجة»؟ اذ ثمة فريق يتمسك بقناعته ان ممارسات كل من ايران والنظام السوري وحزب الله اوصلت الى تغذية المناخ المتطرف وتوليد الارهابيين، في مقابل فريق ثان يصر على ان دوره يهدف الى مواجهة هذا الارهاب، ولهذا يقدم على هذه الخطوات العسكرية والامنية في كل من العراق وسوريا واستدعى الامر دخول «حزب الله» على خط قتال الارهابيين.
اذ، فيما له صلة بكيفية مواجهة الارهاب الناتج عن «داعش» و«النصرة» في محطات محددة ومناطق مختلفة لا حل له سوى بعمل عسكري واسع على ما يقول مراقبون لحركة المجتمع الدولي. بحيث يتطلب الامر تعاطيا امنيا اكثر حزما مع المناخ المنتج لهذا النوع من الارهابيين في موازاة توسيع دائرة عمل التحالف الدولي ليشمل العمليات المباشرة ميدانيا من خلال تشكيل قوات برية للقضاء على دولة «داعش». وغير ذلك فان اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما ان القضاء على «داعش» يتطلب ثلاث سنوات، قد يتطلب عندها سنوات مضاعفة، لا سيما ان المناخ الداعم الذي تؤمنـه دول الخـليج مجتمـعة يشكل فرصة مناسبة للقضاء على الارهاب وايجاد بالتوازي حل للازمة السورية يسقط حجة الارهابيين بالتنامي...
اما في لبنان، فيبدو ان الارهاب الذي ضرب طرابلس حسب اوساط وزارية، بات يتطلب تحركاً سريعا لعزل لبنان عن المنطقة لا سيما بعد ربط الارهابيين جريمتهم بقتال «حزب الله» في سوريا والذي استجلب كلاً من «داعش» و«النصرة» الى منطقة البقاع الشمالي عسكريا، والى الداخل اللبناني من خلال عمليات «ارهابية»، اذ على صعيد الموقف الرسمي يرفض رئيس الحكومة تمام سلام بشكل حاسم امام زواره الربط بين قتال «حزب الله» في سوريا وبين الارهاب الذي طال جبل محسن انتقاما من «حزب الله»، فهو يجد ان الارهاب غير مبرر واللجوء الى اعمال تطال المدنيين مرفوض على خلفية الانتقام، في حين لجأ زعيم الطائفة السنية في لبنان ورئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، الى رفض هذا العمل الاجرامي معربا من خلال ما اعلنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، عن قرار الحريري بتحمل نفقات ومترتبات العملية الارهابية وفق خطوة تعكس عدم التمييز بين ابناء جبل محسن (او الطائفة العلوية) المدنيين والمسالمين وابناء طرابلس الذين تضرروا ابان الاحداث الاخيرة التي شهدتها المدينة خلال تطهير الجيش اللبناني لها من الارهابيين بغطاء مباشر من سلام والحريري للمؤسسة العسكرية، ودعم مباشر وفره لها الوزيران المشنوق واشرف ريفي يومها في موازاة العملية العسكرية وما بعدها...
لكن في منطق المراقبين بان ثمة واقعاً ابعد من موقفي سلام والحريري، اذ يسعى الاول «لتمرير الحكومة» بين المطبات في ظل ما تواجه من تحديات، وعمد الثاني لتجاوز موقفه المطالب بانسحاب «حزب الله» من سوريا واندفع نحو حوار مع الحزب برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وان في الواقع ايضاً ما يفرض ذاته سلباً على الدور الامني، وهو ما كان حذر منه الوزير المشنوق في الذكرى الثانية لاستشهاد اللواء الحسن، وما يعبر عنه الوزير ريفي نتيجة تحسسه النبض المذهبي للشارع السني في طرابلس، اذ دلت الوقائع الارهابية، ان تكامل المواقف بين كل من سلام، الحريري، المشنوق وريفي لم يؤد الى سحب فتيل الارهاب وارتياح رئيس مجلس الامن المركزي ووزير الداخلية نهاد المشنوق الى عقلانية المفتي عبد اللطيف دريان، واداء دار الفتوى الهادفان الى تعميم الاعتدال، اذ ان كل ذالك لم يحل دون «تفقيص» الارهابيين، وقيادة مدير مكتب رئيس تيار المستقبل السيد نادر الحريري للحوار مع «حزب الله» بهدف تأمين جرعة استقرار للبلاد. اذ تبين انه قد خرقت كل هذه الحسابات عملية ارهابية قد لا تكون الاخيرة وفق المعطيات الامنية، طالما حاذرت القوى حسب اوساط سياسية رفيعة، مقاربة موضوع «حزب الله» لناحية قتاله في سوريا.
والى ان تظهر نتائج الحوار المسيحي بين العماد ميشال عون وبين الدكتور سمير جعجع، على انها لن تقدم ولن تؤخر في مسار البلاد، فان الانتقال الى حوار اوسع وواضح بين كافة القوى السياسية للتداول دون مواربة في كيفية ابعاد البلاد عن تداعيات المنطقة، هو المدخل لاخراج الواقع اللبناني من تأثيرات الحرب السورية والصراع المذهبي.