كي لا ننتمي إلى نادي «مخرّبي الأفراح»، ينبغي لنا الترحيب بالحوار الذي اهتدت إليه القوى السياسية في لبنان، بعد أن تأخّرت عنه طويلاً – كأحد «الاكتشافات» التي يمكن من خلالها، معالجة أزمات مقيمة، في ظلّ مناخات جديدة، يمكن اعتبارها مقدمات ملائمة للجمع بين قيادات تعاملت في ما بينها حتى الأمس القريب تعامل الأضداد، على خلفيّة ركام من الخصومات.
ثمة مواعيد محددة لحوارات بدأت، وهي مرشّحة للمتابعة، وثمة مواعيد أخرى، لم تحدّد بعد، فيحكى عنها بصيغة الغيب، أحدها اللقاء «اللغز» بين العماد ميشال عون، والسيد سمير جعجع، وكذلك اللقاء المسيحي المسيحي الأوسع، كصيغة جامعة لما يسمى بقادة الصف الأول.
إنها مجموعة من «المشاريع» التي تشبه بطبيعتها، طبيعة الرهانات، وتنطوي تالياً على احتمالات النجاح أو الفشل، والربح أو الخسارة، تماماً كما هي المراهنة التي تندرج أحياناً في خانة المغامرة.
تخضع «المشاريع» عادة، لما يسميّه العلم «دراسة جدوى» أي الإجراء الذي يرجّح نتيجة على أخرى، في ضوء معطيات معيّنة، يفترض أن تحوّل ما هو محتمل إلى واقع شبه مؤكّد.
يعلّق اللبنانيون آمالاً عريضة على العملية الحواريّة الجارية، حتى وعلى تلك المرتقبة، ولذلك لا يجوز مبدئياً تكذيب الآمال، بأي وسيلة رديئة، بخاصة محاولة تحريك النصال في جراح، لا يزال بعضها مفتوحاً.
لا يجوز مثلاً، العودة إلى اتهام حزب الله، بأنه الجهة التي كانت ترفض الحوار! هذه التهمة كانت خلاصة رأي لأحد صقور قوى 14 آذار، وقد جرى إطلاقها في توقيت سيء جداً، أي يوم انعقاد اللقاء الأول، بين تيار المستقبل وحزب الله!
على سبيل المثال أيضاً، لا يحقّ لمن يريد فعلاً نجاح العملية الحوارية القائمة، تخريب مناخاتها الايجابية عبر تصريح ناريّ، كالذي أطلقه أحد أولئك الصقور، ومؤدّاه أن معالجة أزمة لبنان الناجمة عن عبء النزوح السوري إليه، تبدأ بانسحاب حزب الله من الميدان السوري تمهيداً لنزع سلاح «الحزب».
في حدود ما هو معروف، ومعلن، عن جدول عمل المتحاورين، فإن مثل هذه «العراضات الصوتية»، ليست من ضمن بنود جدول الأعمال، ولذلك يقتضي كبح جماح ألسنة بعض أئمة المغالين، هواة المزايدات.
الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، أنتج حالة من الارتياح، كانت مطلوبة، بما هي وسيلة لتبديد الاحتقان السائد بين قوتين سياسيتين، وازنتين، يكون جلوسهما معاً إلى طاولة الحوار، كفيلاً بإزالة مواقف الرفض، والإقصاء والإلغاء وتمهيداً ملائماً لتوحيد الموقف الوطني في مواجهة الإرهاب عبر دعم غير محدود للدور البطولي الذي ينهض به جيش لبنان وجهاز مخابراته، وقواه الأمنيّة جميعاً، مع التنويه المستحقّ بدور المدير العام لمديرية الأمن العام.
لقاء حزب الله وتيار المستقبل، هو عمل استباقي لدرء الفتنة «بين أهل الشيعة السياسية» في لبنان «وأهل السنة السياسيّة» في لبنان أيضاً، إنه إنجاز وطني يجنّب لبنان المخاطر والجرائم والفظائع التي ترتكب تحت عناوين ورايات مضللة، لإسلام تكفيري إرهابي، لا علاقة له بالإسلام الحقيقي، الدين السماوي النقيّ.
لا نعرف بالتمام، تتمة جدول عمل لقاء تيار المستقبل، وحزب الله، على رغم ذلك، ينبغي لنا التسليم، بأنه لو لم يحقق الحوار بين القوتين شيئاً، سوى هذين الهدفين فان جدواه قائمة، والحاجة إليه ملحّة.
أما الحوار المسيحي المسيحي بين الذين نسميّهم قادة الصف الأول، وطليعة الزعامات السياسية المسيحيّة، فجدواه موضوعة تحت علاقة استفهام كبيرة، قياساً على تجارب، ومحاولات سابقة للتوفيق بينهم، كان مصيرها الفشل، ربما لانسداد الأفق أمام أصحاب العلاقة، بسبب شهوات المرحلة السياسية الراهنة، وأولها، بداهة كرسي الرئاسة. على رغم ذلك يبدو أن صاحب الغبطة، البطريرك الراعي لا يزال يحاول، وكان الله في عونه، وكافأه على صبره!
يبقى اللقاء الذي يحكى عنه كثيراً والذي يرتقب انعقاده بين العماد ميشال عون، ورئيس القوات اللبنانيّة، السيد سمير جعجع والذي قد لا ينعقد فأغلب الظنّ أن آفاقه محدودة بل قد تكون مقفلة، فإذا فتحت الأبواب، فعلى اللياقات وحدها، وربما يليها مزيد من الخلافات.
لا يزور رئيس القوات اللبنانيّة «الرابية» لكي يبايع العماد عون، برئاسة الجمهورية اللبنانية، هذا الأمر حسم منذ ترشّح جعجع لهذا الموقع، ليس على أمل الوصول إليه بل فقط للحؤول دون ارتقاء العماد عون، سدّة الرئاسة ثمّ ليشكل ترشيح جعجع أمراً واقعاً، ومحرجاً لتيار المستقبل، وفي كل حال، عقبة تعترض في جملة ما تعترض – عوده الرئيس أمين الجميل إلى رئاسة الجمهوريّة.
يقول مطلّعون، إن اللقاء إذا حصل هو في الشكل مسرحي استعراضي… والعماد عون لا يحبّذ، وليس مولعاً بهذا النوع من الفنون السياسية، ولا يجيدها.
ويقول آخرون، إن السيد جعجع، قد يحمل إلى دولة العماد «عروضاً تسووية» حول موضوعات متفاوتة من حيث درجة الأهميّة، ولكنها، تظلّ قطعاً دون طموحات العماد عون، مسافات، كما تظلّ من أبعاد رؤية العماد إلى «الجمهورية اللبنانيّة» بعيدة، مسافات طويلة.
على رغم هذا اليقين، ينبغي لنا أن نعاود الترحيب «بالحوار»، كمبدأ ووسيلة، يغنيان عن أساليب الشتيمة، والسجالات العقيمة، عن بعد وعن قرب، والخصومات السياسية العبثية التي غالباً ما تكون محكومة، بإرادات خارجية، لا تريد للبنان، خيراً ولا لأبنائه وفاقاً.