لا زلنا جميعًا، طوائف ومذاهب وأديان، نغرق يومًا بعد يوم في وحل الأنانيات البغيضة وفي حساباتنا الضيقة، متجاهلين ما أصاب وطننا لبنان من بلاء وفوضى وضياع، تاركين للخارج أمر تسيير شؤوننا معولين عليه في كلّ صغيرة وكبيرة. كلّ هذا يؤكد على ضعف شخصيتنا الوطنية ومدى الانحلال والانحطاط الذي أصاب مجموعاتنا.
1. داخلٌ لبناني مربوط بالخارج
يشكل الداخل اللبناني نافذة أساسية وسببًا وجيهًا لحالنا المأزومة. لقد خرجت بعض الطوائف على مسلمات الوطن وعن ميثاقه، وأدخلت لبنان في أتون الصراعات الإقليمية، وتراجعت الآمال في بروز جيل يضع المصلحة الوطنية قبل المصالح الخارجية.
لقد اندفع بعض الزعماء وبكلّ قوة لمساندة الفلسطينيّين ومن هناك بدأت آثار المواجهات والصراعات تمتدّ كالنار في الهشيم. كان الميثاق الوطني يحمل بذور روح إنسانية وطنية من شأنها أن تؤدّي لاحقًا إلى المساواة الكاملة والشاملة، وفي غفلة من الزمن استُبدل الدستور بوثيقة الطائف، واستُغلّت هذه الوثيقة لمصالح طائفية وشخصية ما أسّس لخلل فاضح في البيئة الوطنية الإدارية والأمنية والسياسية.
2. إقطاعيون جُدُد
إنّ تقاسم خيرات الوطن وموارده بين بعض زعماء الطوائف اللبنانية وحاشيتهم، وترك فئات الشعب ترزح تحت الحرمان، أدّى إلى نشوء إقطاعيات جديدة، وشكّل خللاً عضويًا في العلاقة الوطنية وأسهم في تغييب المسيحيين عن مرافق الدولة وعن القرارات الكبرى، وهذا السباق لم ينفع لا في وحدة المسلمين ولا في وحدة اللبنانيين، ولم يصل بنا إلى بناء دولة عصرية على أنقاض الدولة الطائفية المارونية كمان كانوا يعتقدون.
3. ضمور الدولة وتقدم المذاهب عليها
لقد خسر اللبنانيون الدولة وتعزّز دور الطوائف والمذاهب على حساب المؤسسات الوطنية وربط الخارج ربطاً محكمًا، كلّ تحرّك وطني، مما جعل الحركة السياسية اللبنانية مكبلة أو معدومة، وضاعت الأحلام الوطنية الكبرى التي راودت جيلاً بالكامل من كلّ الطوائف والأديان.
لقد تراجعت الثقافة الوطنية إلى الخلف وبرزت مكانها ثقافات هشة ومأزومة لأنّها ثقافات ذاتية مذهبية متشنّجة، وعند جذع هذه الثقافات الجديدة برز جيل لا يقبل شريكه الآخر مسيحياً كان أم مسلمًا، جيل مضطرب عبّأته الشعارات الدينية المذهبية، فبات عاجزًا عن تلمّس طريق الجماعة الإنسانية التي تعيش جنبًا إلى جنب منذ عقود وأجيال، وخرجت الجماعات المذهبية عن المألوف لتبني بمفردها مستقبل وطن، وهذا أمر خطير دونه عقبات وحواجز.
إنّ الحوارات القائمة بين المتخاصمين السياسيين من الجهتين المسلمة والمسيحية يعطي جرعة أمل وتفاؤل في إعادة تصويب المسار باتجاه خوض غمار النهضة الوطنية ووضع لبنان مجدّدًا على طريق الوحدة والحرية والمساواة، لكنّ هذه الجرعة تبقى يتيمة إن لم تُسنَد بوسائل دعم كافية لإعادة تسيير عجلة الدولة وتغليب المصلحة العامة على كلّ منافع ومكاسب الزعماء ومن يدور في فلكهم من الوصوليين والمنتفعين الذين دمّروا خيرات الوطن وجنوا أموالاً حرام على حساب عرق الناس، وهذا الأمر ظاهرٌ وجلي للعيان عند بعض الزعماء وليس كلّهم، فلو قدّر للدولة أن تستعيد جزءًا من الأموال المهدورة لاستطاعت أن تردّ قسمًا من دينها وأن تعطي المواطنين مزيدًا من الحقوق المشروعة، أي مزيدًا من الخدمات الأساسية التي ترفع من كرامة الإنسان وتجعله شريكًا في إدارة خيرات وطنه.
4. لا مانع من حكم الأمراء لكن بشرط
لا مانع من حكم الأمراء لنا بشرط أن يكتفوا بما بلغوه إليه من حال وجاه وسلطة تاركين لشعبهم إمكانية العيش والنهوض من الركام وعاملين بعد توبتهم على تسليم الدولة ما أخذوه منها من سلطان لتعود الدولة الحامية الوحيدة لأبنائها وتثبيت هيبتها وتطبيق قوانينها واحترام قضائها. هذا هو المدى المنطقي الذي يجب أن يسلكه زعماء لبنان وخاصة المسلمين منهم.