تخوّف كثيرون أن تفجّر جلسة لجنة الطاقة والأشغال الخلاف بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" بعد أن مهّدت الجلسة السابقة لذلك، وإذا بالخلاف ينفجر، ولكن خارج السيناريو المرسوم، بين "الوطني الحر" و"تيار المستقبل".
هكذا، وبعيدًا عن التفاصيل "التقنية" للخلاف بين الجانبين، وبعيدًا عن النوايا "غير الصافية ولا السليمة" التي استغلّت لحظة دخول المصوّرين لرفع الأسقف إلى أعلى مستوياتها، ثبّت السجال المذكور "الطلاق" بين تيارَين سياسيّين تقلّبت العلاقة بينهما مئة وثمانين درجة خلال أشهرٍ معدودةٍ فقط.
قصة قلوب مليانة...
لا يمكن أن يشرّف ما حصل في مجلس النواب أحداً، ولا يحقّ لأيّ فريقٍ اجتزاءه لتصوير الآخر وكأنّه "البادئ الأظلم" كما يفعل طلاب المدارس عادة حين يشتكون بعضهم البعض أمام "الناظر". فلا نواب هذا الفريق الذين انهالوا على خصومهم بالاتهامات السهلة، بنبرةٍ مرتفعةٍ لا تدلّ على حدٍ أدنى من الاحترام واللياقة، مقنعون في موقفهم، ولا أولئك الذين ردّوا عليهم بأسلوب الشتائم والإهانات الأسهل، محقّون في ما ذهبوا إليه.
برأي مصادر سياسية، فإنّ ما حصل لا يمكن أن يكون مبرّراً بأيّ شكلٍ من الأشكال، سواء كانت أسبابه "التقنية" الموجِبة مقنعة أم لم تكن، فممثلو الشعب يفترض أن يكونوا الأنموذج الصالح الذي يقتدي به الشعب، وهم الذين لا ينفكّون يردّدون ليلاً نهاراً أنّ لا بديل عن الحوار، وإذا بهم يحوّلون المؤسسة التي تحتضن الحوار إلى ساحة تصفية حساباتٍ ومزايداتٍ فيما بينهم، أو حتى إلى "حلبة مصارعة" بكلّ ما للكلمة من معنى.
عمومًا، ترى المصادر أنّ ما حصل، إن دلّ على شيء، فهو على "انعدام الثقة" بين الأفرقاء الداخليين، حلفاءً وخصومًا على حدّ سواء، فضلاً عن أنّه يعكس "التوتّر" الذي تعيشه الساحة السياسية بشكلٍ عام، في ضوء سقوط "التسويات" التي كثُر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وهي تردّه بشكلٍ أساسي إلى قصة "القلوب المليانة" بين التيارَين "الأزرق" و"البرتقالي"، والتي يبدو أنّها ازدادت "امتلاءً" ليس في ضوء ما يقوله "العونيّون" بشكلٍ دائم عن عدم وفاء "المستقبليّين" بوعودهم فحسب، بل في ضوء تحوّل المعركة بينهما إلى ما يشبه "تكسير الرأس" وربما يتخطّاه.
علاقة على حافة الانهيار!
لا شكّ إذًا بأنّ العلاقة بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" على حافة الانهيار، إن لم تكن قد انهارت أصلاً، كما ظهر من خلال سجال لجنة الأشغال، وفي محطاتٍ كثيرة سبقته، تؤكد المصادر، لافتة إلى أنّ لا لقاءات تجمع الجانبين، لا على مستوى الصف الأول كما كان يحصل قبل أشهر حين كان يجتمع رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، ولا حتى على مستوى الصف الثاني على غرار الحوار الثنائي القائم بين "المستقبل" و"حزب الله"، ولا حتى على مستوى الصف الثالث أو الرابع، إلى آخره.
وأبعد من الشكل، فإنّ المضمون يؤكد هذا المنحى "السلبي" في العلاقة بين الجانبين، تقول المصادر، داعية للتدقيق في تصريحات نواب وقياديي الجانبَين لإدراك ذلك. قد يكون "الإبراء المستحيل" خير مثالٍ لذلك، وهو السلاح الذي استخدمه "العونيّون" للتصويب على خصومهم "الزرق" في مرحلةٍ سابقة، قبل أن "يتنصّلوا" هم أنفسهم منه في مرحلة "التقارب" ليتصدّر من جديد اهتماماتهم في هذه المرحلة، بحيث لا يكاد تصريحٌ لهم يخلو من الإشارة الصريحة والواضحة إليه.
في المقابل، يتمسّك "المستقبليون" بمعزوفة "عون أو لا أحد"، ولا يتوقّفون عن "استفزاز" خصومهم من زاويتها، عبر القول أنّ "الجنرال" يريد كلّ شيء له ولصهريه، ولا يريد إعطاء شيءٍ للآخرين، بل يذهبون لحدّ الإشارة إلى أنّه يعطّل البلاد والعباد لتحقيق مصالح شخصيّة وأنانيّة، رافضين الاعتراف بأنّها حقوق مبدئية مشروعة، كما كانوا يقولون إبّان "التقارب الشهير". وما زاد الطين بلّة، بحسب المصادر، ضمّ "المستقبليّين" فريق "التغيير والإصلاح" إلى جوقة "الفاسدين" على خلفية ملف الكهرباء، وهم أطلقوا منذ فترةٍ غير بسيطة "حملة" على التيار "البرتقالي" انطلاقاً من ذلك.
رأس التعطيل...
قد يكون "تراكم" هذه العوامل مجتمعةً أدّى لـ"الانفجار" الذي وقع خلال الساعات الأخيرة، ولكنّ المفارقة هنا أيضًا تكمن في أنّ كلّ فريقٍ يحمّل الآخر المسؤولية المباشرة عمّا وصلت إليه الأوضاع مؤخراً.
هكذا، يعتبر "التيار الوطني الحر" أنّ المستجدّات السياسية، وفي مقدّمها "تسوية الترقيات"، مرتبطة بتدهور العلاقة بهذا الشكل ارتباطاً وثيقاً، ولا تتردّد مصادر محسوبة عليه في القول أنّ التيار "الأزرق" هو "رأس التعطيل" في هذا الملف، بعكس ما يوحيه بتصريحاته، فهو ليس فقط من دسّ بـ"البند اللغم" في التسوية المسرّبة لوسائل الإعلام، والذي شوّه "الطبخة" برمّتها، ولكن أيضًا لأنّ "التيار" مؤمنٌ بأنّ الرئيس السابق ميشال سليمان هو مجرّد "موظفٍ" عند رئيس "كتلة المستقبل" فؤاد السنيورة، الذي لن يتطلب منه الأمر في حال أراد تمرير التسوية سوى الإيعاز إلى سليمان بالموافقة عليها، ليكون له ما يريد.
وفيما تعتبر مصادر "التيار" أنّ "المستقبل" هو الذي يسعى لتحجيم عون ومحاصرته بكلّ الأشكال، تنفيذاً لرغباتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ لم تعد خافية على أحد، وهو الذي أثبتت التجارب أنّه ليس "سيّد كلامه" بدليل عجزه عن تنفيذ "الوعود" التي سبق أن أعطاها لـ"الجنرال"، تردّ مصادر "المستقبل" بالقول أنّ المشكلة هي عند عون أولاً وأخيراً، فهو الذي يريد أن يفرض نفسه رئيساً للجمهورية وصهره قائداً للجيش رغماً عن إرادة الجميع، وهو جاهزٌ لأن يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا لم تتحقّق كلّ طلباته، وهو بالتحديد ما يفعله اليوم. ولكنّ "كلّ ما سبق شيء والمسّ بقدسية الصهر المدلّل شيءٌ آخر"، تقول المصادر، في إشارة إلى وزير الخارجية جبران باسيل، الذي تعتبر أنّ الأزمة "المفتعلة" مرتبطة أولاً وأخيراً بفتح التيار "الأزرق" لقضية الفساد الكهربائي على مصراعيها، وهي التي تدين باسيل بشكلٍ مباشر، "في وقتٍ يسعى عون لفرضه زعيماً نظيفاً شاء من شاء وأبى من أبى".
ولى زمن الأعياد؟!
قبل أشهرٍ معدودة، احتفل رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري بعيد ميلاد العماد ميشال عون في "بيت الوسط"، فيما كان نواب التيارين يغدقون عبارات "الغزل والمديح" على بعضهم البعض، ويعترفون بأوزانهم الشعبية المتبادلة.
اليوم، تبدو الصورة معكوسة تماماً. ولى زمن الاحتفالات والأعياد المتبادلة. حتى زمن الحوار، على براءته، ولّى، بفعل "مكابرة" هذا و"تغنّج" ذاك، رغم إدراك الجميع بأنّه وحده قادرٌ على أن يكون مفتاح الحلّ، إذا ما توفّرت نيّته.
باختصار، يمكن القول أنّ العلاقة بين الجانبين عادت اليوم إلى طبيعتها، بعيداً عن حفلات التكاذب المتكرّرة، التي تشكّل الإستثناء لا القاعدة، والدليل أن الأيام أثبتت أن كلا منهما كان يريد من سياسة الإنفتاح تحقيق مصالحه الخاصة لا أكثر ولا أقل، فالعماد عون كان يريد ضمان وصوله إلى القصر الجمهوري، فيما كان الحريري يرغب في محاصرة "حزب الله" عبر إبعاد "الوطني الحر" عنه!