أخيراً، حصلت تظاهرة "التيار الوطني الحر" أمام قصر بعبدا، وهي التي اقلقت الكثيرين قبل ان تحصل واثارت موجة من التكهّنات والمخاوف على الصعيدين الامني والسياسي.
ولكن، بعد انتهاء التظاهرة والتي استمرت نحو ساعتين، انجلى غبارها واتضحت الصورة التي رسمتها وارخت بظلالها على المعنيين في الشأنين المذكورين. فعلى الصعيد الامني، وعلى الرغم من الاختلاف السياسي بين "التيار الوطني الحر" وقادة الاجهزة الامنية، تركت التظاهرة ارتياحاً كبيراً لدى قوى الأمن والجيش اللبناني على حد سواء.
وهي ليست المرة الاولى التي يعبّر فيها مسؤولون في القوى الامنية عن ارتياحهم للتظاهرات التي ينظمها "التيار"، لانها تبقى على تنسيق معهم بشكل دائم ومتواصل ولا تخرج عن المسار المحدد لها والمتفق عليه معهم، كما انها لا تستفز اي عنصر امني. ويتساءل مسؤولون امنيون عن السبب الذي يؤدي الى عدم حصول اي احتكاك مع الاعداد الكبيرة التي تشارك في تظاهرات "التيار" عادة، فيما تقام معارك ومواجهات قاسية مع متظاهري "الحراك المدني" واعدادهم اقل بكثير من اعداد متظاهري "التيار". ويخلص المسؤولون الامنيون الى ان السبب يعود الى ان اهداف التيار محدّدة ومعروفة، ولو انها تختلف سياسياً مع اهداف قادة الاجهزة الامنية وحتى الحكومة، فيما اهداف "الحراك المدني" متشعبة وغير معروفة ولا هرميّة معيّنة يمكن اتباعها للتنسيق معها، اضافة الى التذرع الدائم بدخول عناصر "مدسوسة" تعمد الى الشغب واثارة المشاكل.
ولا شك ان "التيار الوطني الحر" حريص على "سمعته" في هذا المجال التي لم يعكرها سوى مواجهة وحيدة محدودة حصلت مع الجيش اللبناني خلال التظاهرة الاولى له. لذلك، وعلى الرغم من الاستنفار القاسي الذي لحق بالقوى الامنية وبالاخص لواء الحرس الجمهوري المحسوب رئيسه على الرئيس السابق ميشال سليمان، لم يحصل ما يعكّر الصفو الامني وانتهت التظاهرة بأفضل طريقة ممكنة.
على الصعيد السياسي، لم يكن الوضع على المقدار نفسه من القراءة، ولو ان كلمة العماد ميشال عون التي القاها لم تكن على قدر القساوة التي توقعها البعض، الا انها حملت رسائل من شأنها اثارة القلق لدى المسؤولين السياسيين.
فقد اوضح عون ان ردّه على محاربته سياسياً، يكون شعبياً ومن خلال اظهار هذه القوة لتذكير من يهمه من اخصامه انه لا يمكن ازاحته، وانه ممسك، حتى اشعار آخر، بزمام المبادرة السياسية في لبنان. اما رمزية المكان اي قصر بعبدا، فللتشديد على انه يرغب في العودة الى المكان الذي شهد خروجه من لبنان الى المنفى، وانه هذه المرة عازم على الاستمرار في رغبته هذه حتى النهاية اياً كانت العواقب والعراقيل.
ولم يفوّت عون المناسبة للتصويب على قيادة الجيش ووزير الدفاع والحكومة، ولعل اكثر ما يجدر التوقف عنده في كلمته، هو الدعوة الى الاستعداد الدائم للنزول "من وقت لوقت"، اضافة الى قوله ان من تلاعب بالقوانين سيدفع الثمن. تهديد رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" يجب اخذه على محمل الجد، فهو لم يعد لديه ما يخسره، ويعتبر ان الرياح الاقليمية تهب وفق مسيرة سفينته، وهو ما ذكّر به حين استعاد بعض الرهانات التي قام بها في محطات عدة اخيراً: حرب تموز 2006، الربيع العربي، المواجهات مع المجموعات الارهابية، حرب سوريا...
اما كيفية تنفيذه لهذا التهديد، فلن تكون عبر الطرق الامنية بطبيعة الحال، ولكن عبر التعنّت السياسي اولاً، والحضور الشعبي ثانياً، بما يكفي ليصبح هو الممرّ الاساس والالزامي، ولا يستبعد البعض ان يقرر العماد عون استهداف اشخاص معنيين في المواجهة السياسية والشعبية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر وزير الدفاع سمير مقبل الذي ذكره في كلمته، كردّ مباشر على الرئيس السابق للجمهورية ووزير دفاعه لدورهما السلبي في عرقلة التسوية التي طرحت في ما خص الترقيات العسكرية، وافهامهما ان المسألة لن تمر مرور الكرام.
يقول البعض ان ميشال عون قبل 11 تشرين الاول 2015 سيكون غيره بعد هذا التاريخ، فهل يصدق اصحاب هذا القول؟