على الرغم من التحالفات المتينة التي نسجتها المملكة العربية السعودية، مع عدد من الدول الغربية، على مدى السنوات السابقة، تجد الرياض نفسها مع كل موجة لنمو الجماعات الإرهابية موضع إتهام من قبل أوساط فاعلة في تلك الدول، لا تقف عند حدود التليمحات بل تمتد لدعوتها إلى القيام بالمزيد من الخطوات العملية على هذا الصعيد، لا سيما بالنسبة إلى وقف دعم بعض المراكز الدينية.
المتابع لما يتم تداوله في الأوساط الغربية، منذ هجمات باريس الشهيرة، يلاحظ بأن هناك تغييراً كبيراً في النظرة إلى المملكة، لا يأتي من خصومها التاريخيين في المنطقة، بل من أهم الحلفاء الذين كان ينظرون إلى الرياض على أساس أنها أكبر مخزن للنفط من جهة، وأكبر سوق لبيع منتوجاتهم، لا سيما العسكرية منها، من جهة ثانية، فقد باتت الدعوات إلى مراجعة العلاقات معها، ثابتة في خطابات قوى المعارضة في بعض البلدان الأوروبية، في حين يعمد المسؤولون الرسميون إلى الدفاع عنها من منطلق الحفاظ على مصالحهم.
بالنسبة إلى مصادر متابعة، ساهمت التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في تبدل الإستراتيجية الغربية، فهي باتت تقوم أولاً على تقييم الخطر الإرهابي المحدق، خصوصاً من قبل تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى البحث عن أفضل السبل للحفاظ على المصالح الإقتصادية التاريخية، ما دفعها إلى تقديم التنازلات في سبيل توقيع الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران، ناهيك عن أزمة اللاجئين التي باتت تهدد هذه الدول بشكل جدي.
من وجهة نظر هذه المصادر، فإن مقاربة التحالف الإسلامي، الذي أعلنت عنه السعودية مؤخراً، بهدف محاربة المنظمات الإرهابية على مختلف الصعد، كما هو معلن، بالرغم من الضجة الكبيرة التي أحدثها على مستوى الدول التي تم ضمها إليه من دون علمها، فتحت الباب واسعاً أمام طرح جملة من التساؤلات، من ضمنها ما أشارت إليه افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قبل نحو اسبوع من الآن، التي نصحت الرياض بأن تبدأ مسيرة مكافحة الإرهاب بوقف دعمها المدارس الوهابية ورجال الدين الذين ينشرون ثقافة التطرف الديني حول العالم.
هذه الدعوة، الصادرة عن واحدة من أهم الصحف العالمية، ليست الأولى من نوعها، سبقتها رسائل أخرى من ضمنها تلك التي وجهها محلل الشؤون الخارجية في شبكة "CNN" العالمية، بوبي غوش، الذي رأى أن السعودية إلى جانب كونها أكبر مصدر للنفط عالميًّا تعتبر أكبر مصدر لأيدولوجيا الكراهية في العالم، ومن الضروري أن توقف تمويل الإرهابيين، إلا أن الأبرز في العام الجاري قد يكون ما صدر عن زيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تحت عنوان: "زمن غض الطرف قد ولّى"، حيث طالب السعودية بالكف عن تمويل المساجد ذات التوجه الوهابي حول العالم، بعد تقرير لوكالة المخابرات الألمانية حذر من "الدور السعودي المزعزع للاستقرار" في الشرق الأوسط.
ما تقدم لا ينفصل عن المطالبة بمراجعة العلاقات مع السعودية التي حصلت في بلجيكا، مباشرة بعد أحداث العاصمة الفرنسية، فقد ضج فيها البرلمان الفيدرالي، مع العلم أن النقاش كان حول إتفاقية إعفاء ضريبي بين البلدين، لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل شملت المطالبة بانهاء العقد التأجيري لـ"المركز الإسلامي" في وسط بروكسل، الذي تعود قصته إلى العام 1967، حيث قدّمه الملك باودوين هبة لنظيره السعودي فيصل بن عبد العزيز، عبر الصيغة الشهيرة لعقد التأجيل التوارثي مدة 99 سنة.
من هذا المنطلق، تعتبر المصادر نفسها أن الرياض تسعى إلى الدفاع عن نفسها عن طريق الإعلان عن خطوات عملية على صعيد مكافحة الإرهاب، وهي تبقى حتى الآن دون المستوى، خصوصاً في ظل التوتر الذي تشهده علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية، وتشير إلى الإستراتيجية الأميركية الحالية، التي تظهر من خلال دعوة وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر الدول السنيّة إلى مضاعفة جهودها في هذا المجال، التي لا تنفصل عن مطالبة السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، بتأسيس دولة سنيّة جديدة تكون بديلة عن تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على مساحة واسعة من الأراضي العراقية والسورية، والتي تتضح على لسان البرلماني الأميركي الشهير جون ماكين، الذي رأى ضرورة تشكيل قوة عسكرية من 100 ألف جندي معظمهم من الدول السنيّة لمحاربة التطرف.
برأي هذه المصادر، السعودية ستلجأ إلى مواجهة الحملات التي تشن عليها في الدول الغربية، التي قد تتضاعف في الفترة المقبلة، لا سيما في حال وقوع أي عمل إرهابي جديد في تلك الدول، عبر زيادة مستوى مشاركتها في عمليات عسكرية خارجية، تكون على شكل التحالف الذي أعلنت عنه في اليمن، لمحاربة حركة "أنصار الله" اليمنية، لكن هذه المصادر تعتبر أن النتائج المخيّبة للأمال التي ظهرت في هذه الحرب، تقود إلى الإعتقاد بأن الرياض لن تنجح في تحقيق أهدافها، وتضيف: "هي حتماً معادلة صعبة لا يمكن إيجاد حل سريع لها، لا سيما في ظل المنافسة التي تتعرض لها من قبل بعض الدول الفاعلة، بالتحديد تركيا وإيران".
في إعتقاد المصادر المتابعة، لن تتخلى الدول الغربية عن المملكة في الوقت الراهن، لكن في نفس الوقت لن تكون قادرة على الدفاع عنها طويلاً، إلا في حال نجحت بالقيام بخطوات بارزة على المستوى الإقليمي، قد تكون نقطة البداية فيها التعامل بعقلانية مع التطورات السياسية في أكثر من دولة لها دور فاعل فيها، وتلفت إلى المواقف الدولية من الأحداث في سوريا والعراق واليمن، التي باتت تتجاوز بعض النقاط التي تعتبرها الرياض أساسية لا يمكن التراجع فيها، مع قناعتها بأن بعضها مطلوب منها من قبل الحلفاء قبل غيرهم.
في المحصلة، لن تكون السعودية قادرة، في الأشهر المقبلة، على الإستمرار في السياسات الخارجية نفسها، قد يكون عليها مراجعة بعض الحسابات، خصوصاً إذا ما إنطلق قطار التسويات في الشرق الأوسط، فالواقع يشير إلى أن السياسات الدولية قد تتبدل بين لحظة وأخرى، الأمر الذي يتطلب مرونة لا تزال الرياض تفتقدها، والدليل القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، بعد أيام قليلة على مؤتمر الرياض، الذي خرج بمقرارات مختلفة.