يترأس بند تسليح ​الجيش اللبناني​ جميع الخطابات السياسية، فالكل يريد للجيش أن يصبح قويا، ويريدون منه ان يتحمل مسؤولية مواجهة الارهاب وحماية الحدود من الخطر الاسرائيلي والمحافظة على الاستقرار في الداخل. ولكن السؤال من يسلح الجيش اللبناني؟

في أواخر العام 2008 حصل وزير الدفاع الأسبق الياس المر خلال زيارته روسيا على هبة روسية قوامها 10 طائرات ميغ 29. يومها لم يقبل لبنان الهبة بسبب الرفض الاميركي القاطع وتواطؤ بعض القيادات اللبنانيّة حسبما أظهرت وثائق "ويكيليكس"، فحاول المسؤولون طلب استبدال مقاتلات الميغ بطوّافات قتالية من طراز مي 35، ولكن الطلب اللبناني لم يلق استحسان القيادة الروسية آنذاك بسبب صعوبات لوجستية لأن سلاح الجو الروسي لا يزال يشغل تلك المروحيات. بعدها بأعوام، احتفل الرئيس السابق ميشال سليمان بهبة سعودية من ثلاث مليارات دولار لتسليح الجيش بأسلحة فرنسية، كذلك حصل رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري على مليار دولار يستعمله لتسليح الجيش وباقي الاجهزة الامنية، فأين هي الهبات اليوم؟

زار وفد لبناني روسيا للبحث في عملية شراء أسلحة روسية بجزء من مبلغ المليار دولار الذي تسلمه الحريري من السعودية. يومها حسبما تروي المصادر لـ"النشرة" ان الصفقة فشلت لأسباب متنوعة ابرزها، التدخل الدولي الذي منع لبنان من امتلاك اسلحة معيّنة من تلك التي تعرضها روسيا، كصواريخ الكورنيت، او منظومة صواريخ "توس"، علمًا أن الرفض الدولي تُرجم عبر مسؤولين لبنانيين على رأسهم سعد الحريري الذي يتحكم بهبة المليار دولار، بالاضافة الى عقدة "ممثل" الحريري في الصفقة الذي طالب بعمولة مرتفعة لقاء عملية البيع والشراء، كذلك بسبب الريبة التي كانت تتم بها الاجتماعات بحيث مُنع الملحق العسكري اللبناني في روسيا من حضور اللقاءات التي ضمّت خبراء روس وممثل الحريري. هكذا اذا خسر لبنان فرصة شراء اسلحة روسية اضافة الى الاستفادة من اتفاقيات سابقة مع روسيا، فبعد تضييع فرصة عام 2008، ضاع الاتفاق الذي وقّعه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2010 والذي تضمن تزويد الجيش بطائرات هليكوبتر قتالية و77 دبابة و39 مدفعاً.

أما بالنسبة للمليارات الثلاث التي سيتم تسليح الجيش بها بأسلحة فرنسية، فتشير المصادر الى ان هذه الهبة لن تتحقق والمطلوب نسيانها بسبب تدخل الدول والشروط التي وضعت على لبنان لأجلها وبسبب انواع الاسلحة التي يريدون من لبنان شراءها، مشيرة الى ان الخبراء العسكريين الفرنسيين المتواجدين في لبنان لا يفعلون شيئا سوى تضييع الوقت. وتقول المصادر: "ان اغلب السلاح اللبناني مصدره أميركي، والولايات المتحدة الاميركية اعلنت نيّتها تغطية ما ينقص الجيش اللبناني بالمعدّات".

بالاضافة الى عروض السعودية، أعربت ايران عبر السفارة الإيرانية في بيروت عام 2010 عن استعداد طهران للمساهمة في تسليح الجيش اللبناني، ووعدت يومها بتعويضه عن مساعدة أميركية بقيمة 100 مليون دولار قرّر الكونغرس الأميركي تجميد إرسالها الى لبنان. وفي العام 2014 كانت المبادرة الايرانية بعرض تسليح الجيش اللبناني رسمية أكثر، ويومها سافر وزير الدفاع سمير مقبل الى طهران لبحث تفاصيل المنحة العسكرية الايرانية، ولكن كل ذلك لم يسفر عن وصول قطعة سلاح واحدة لأيدي الجنود اللبنانيين، بسبب رفض قوى "14 اذار" للمنحة الايرانية بحجة العقوبات المفروضة على ايران. فماذا عن اليوم بعد ازالتها؟

يؤكد العميد المتقاعد ​أمين حطيط​ في حديث لـ"النشرة" انه أصبح بإمكان ايران بيع وشراء الاسلحة، مشيرا الى أن "كل انواع الحظر عليها تم رفعها وبالتالي فإن كل ما كان قائما من منعٍ في التعامل مع الخارج ماليا وتقنيا واقتصاديا رفع من مصادره كلها، أي من مجلس الأمن والأمم المتحدة، الإتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأميركية".

أما بالنسبة للهبة العسكرية الايرانية للبنان، فيوضح حطيط انها بالاصل لم تكن خاضعة للعقوبات الدولية لان الحظر لم يكن يشمل الهبات، بل كان يحرم ايران من الحصول على المال والتقنية، مشيرا الى ان رفضها من قبل بعض اللبنانيين بسبب الحظر الدولي هو حجة وكيدية سياسية ولم تكن موقفا قانونيا.

ويسأل حطيط: "الان وبعد ان اصبحت الذريعة الواهية غير موجودة وان اراد لبنان ان يستثمر العرض الايراني بقبول الهبة العسكرية التي تصل خلال 48 ساعة إن هو قرر، هل ستقبلها بيروت؟"، لافتا النظر الى انه "بظل السلوك الكيدي الذي يمارس في لبنان لا أتوقع ان ارى سلاحا ايرانيا بالمدى المنظور في تصرف الجيش اللبناني".

وفي هذا السياق تشير مصادر مطّلعة لـ"النشرة"، الى ان ايران مستعدة لفتح مخازنها للجيش اللبناني ولكنها تعلم ان أي سلاح ايراني يصل لعناصر الجيش يعني اعطاء الذريعة لمعارضي السياسة الايرانية "لفتح النار" على طهران وحزب الله واتهام الجيش اللبناني بالتبعية للحزب. وتقول المصادر: "ان حصول لبنان على اسلحة ايرانية يفترض وجود توافق سياسي لبناني وموافقة اميركية لأن ايران لا تريد من خصومها استثمارًا سياسيًّا كيديًّا اضافيًّا في ظل الانفتاح الغربي عليها راهنًا ولا حصول مشاكل سياسية في لبنان بسببها".

لا تكفي التصريحات لتسليح الجيش، فالمطلوب أفعال تترجم الأقوال بظل توافق سياسي كامل على ضرورة تسليح الجيش من أي دولة تبدي استعدادها لتسليح جيشنا دون شروط مسبقة.