تبدو الدوائر الغربية المعنية بالملف اللبناني ممتعضة أكثر من أي وقت مضى مما آلت اليه الأمور وخاصة على صعيد الأزمة الرئاسية وأزمة النفايات. اذ لا ينفك مسؤولون فرنسيون يعاتبون زائريهم من الرسميين اللبنانيين على الحالة التي وصلتها البلاد، حتى أن دبلوماسيين أميركيين لم يترددوا بالتوجه الى احد هؤلاء الرسميين بالقول "أتعبتمونا"، تعليقا على أحوال الملف الرئاسي.
ويسأل الفرنسيون، بحسب مصادر مطلعة، عن المدّة التي قد يستلزمها بعد حل الأزمة اللبنانية، ويبدو هؤلاء مقتنعين بانعدام حظوظ الأقطاب الـ4 بعد التطورات الأخيرة التي أدّت لتبني فريق "14 آذار" ترشيح اثنين من قوى "8 آذار" و"التيار الوطني الحر" من دون أن يؤدي ذلك لاحداث أي خرق يُذكر في جدار الأزمة الرئاسية. وتقول المصادر: "بدل أن نتقدم الى الامام، عدنا خطوات الى الوراء".
وفيما لا تتردد باريس بالاعراب عن ارتياحها للمصالحة التي تمت بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع، تعي تماما أن قرار الأخير ترشيح الأول لرئاسة الجمهورية لن يؤدي إلى هدفه المرجو لاقتناعها بأن "الشخصية التي ستتولى الرئاسة يجب ان تحظى بشبه اجماع وطني تؤمنه القوى الأساسية في البلد وعلى رأسها حزب الله وتيار المستقبل، وطالما الأخير غير متحمس ومن خلفه المملكة العربية السعودية لرئاسة عون، فالأرجح أن أسهمه تتلاشى مع الأيام تبعا لمنطق أنّه لو كانت حظوظه كافية لتم انتخابه منذ زمن بعيد".
ولا يعني استبعاد الدوائر الفرنسية امكانية وصول العماد عون الى سدة الرئاسة، ترجيح رئاسة رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية للجمهورية، "فالظروف الراهنة لا تخدم أيضا هذا الخيار، حتى ولو شكلت تسمية رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري لرئيس تيار "المردة" خرقا كبيرا على صعيد المراوحة الداخلية". وبحسب المصادر، فان باريس تبدو "واثقة ان بورصة الأسماء سترسو عاجلا أو آجلا على أحد المرشحين التوافقيين، علما أنّها تفضل حاليا عدم التداول بها تجنبا لإحراق أوراقها بانتظار أن تدق ساعة الصفر، فاللائحة الطويلة لهؤلاء المرشحين لا تزال على ما هي عليه في الدوائر الفرنسية منذ أيار 2014، ولم يتم استبعاد أي من الأسماء حتى ولو كانت أسهم بعضهم مرتفعة أكثر وحتى ولو كان يتم تسويق بعض هؤلاء المرشحين على حساب آخرين". وتضم اللائحة الوزراء السابقين جان عبيد وزياد بارود ووديع الخازن، قائد الجيش العماد جان قهوجي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والعميد المتقاعد جورج خوري.
وبعكس فرنسا، لا تتداول الدوائر الأميركية والدبلوماسيون الأميركيون المتواجدون في بيروت بتفاصيل الملف الرئاسي وخاصة بعد مغادرة السفير ديفيد هيل وتعيين القائم بالأعمال ريتشارد جونز بديلا عنه. الا ان هؤلاء الدبلوماسيين لا يترددون بالاعراب عن "تعبهم" من كم التعقيدات التي تحيط بالملف، وهم يتوجهون لسائليهم بالقول: "بلدكم من البلدان المعدودة المستقرة في المنطقة بالرغم من كل البراكين المشتعلة حوله، الا أنّكم وللأسف لا تستغلون الفرصة لتحصين هذا الاستقرار".
ولا يقتصر العتب الغربي على التقصير اللبناني على الصعيد الرئاسي، بل يتركز وبشكل خاص حول فضيحة النفايات المتمادية. ويسأل غربيون عن سبب عدم اللجوء الى احد ابرز الخيارات المتاحة لجهة انشاء معامل في منطقة المصنع-جديدة يابوس وبالتحديد في البقعة المتعارف عليها باسم no man’s land، تعالج النفايات اللبنانية والسورية على حد سواء. وتكشف المصادر "أن رفض السلطات اللبنانية التنسيق مع السلطات السورية يحول دون التقدم في هذا المجال".
بالمحصلة، تخلص المصادر الى ان كل التعقيدات الداخلية المذكورة تبقى ثانوية أمام التعقيدات الجديدة التي تطرق البوابة اللبنانية في ظل تفاقم الصراع بين "حزب الله" والمملكة العربية السعودية والذي يمهد لمرحلة غير مسبوقة من التصعيد قد تدفع للترحّم على عامي الفراغ وما سادهما من استقرار على المستويين الأمني والسياسي.