يراوح المشهد اللبناني مكانه. تتداخل تعقيداته وخلافات قواه السياسية على وقع الاوضاع الاقليمية المتسارعة والاحداث المتتالية بدءًا من سوريا حيث يواصل الجيش السوري وحلفاؤه استعادة السيطرة على مدن وقرى جديدة، مرورًا بالقمة التاريخية المصرية السعودية في القاهرة وتأسيسها لحلف جديد، وصولا الى اسطنبول وانعقاد مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الـ13 تحت شعار "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام"، فيما تبذل جهود سياسية وامنية كبيرة لتبريد الساحة التي اشتعلت في الفترة الماضية من اقفال ملف الوزير السابق ميشال سماحة على حكم جديد، الى قطع اشواط كبيرة في خطة رفع النفايات، الى متابعة ما اصطلح على تسميته بفضيحة الانترنت، وذلك لانجاح اجراء الاستحقاق الانتخابي البلدي في كافة المحافظات تنافسا وتحالفا والنيابي الفرعي في جزين، مع دنوّ عقارب الساعة قدما الى الامام في شهر ايار المقبل.
فلسطينيا، يبدو الاسبوع الطالع حاسما في ملفّين شغلا الاهتمام السياسي والأمني منذ اشهر، الاول العلاقة بين ادارة "الاونروا" والقوى السياسية الفلسطينية بعد قراراتها تقليص خدماتها وآخرها الصحيّة والاحتجاج عليها، حيث سيعقد اليوم لقاء بين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام "الاونروا" في لبنان ماثياس شمالي، لتحديد موعد بدء الحوار بينهما برعاية دولية ولبنانية، والثاني الوضع الأمني في عين الحلوة الذي بقي هشا وقابلا للاهتزاز والتوتير في اي لحظة مع تكرار المشاكل باطلاق النار والشائعات والبيانات "التحريضية" حينا و"التوضيحية" احيانا.
انجاز وانتظار
اربعة اشهر مضت على بدء وكالة "الاونروا" تنفيذ قرارات تقليص خدماتها واخرها الاستشفائية، وعلى الاحتجاج الفلسطيني الرافض لها، لكن الازمة تراوح مكانها، فالمدير العام لوكالة الأونروا في لبنان ماثياس شمالي لم يتجاوب، تراجعت ادارة الاونروا بتعليق العمل بها حتى 21 نيسان افساحا في المجال لبدء حوار ثنائي، انجزت القوى الفلسطينية تشكيل اللجان التخصصية المعنية، قرأت الخطوة على انها رسالة تأكيد على الجدّية بالحوار وبالوصول الى نتائج ايجابية، على قاعدة سليمة تعالج مختلف الملفات الصحية والتعليمية والإغاثية واعمار مخيم نهر البارد وبرنامج الطوارىء والنازحين الفلسطينيين من سوريا كرزمة واحدة غير مجزّأة وغير منقوصة.
وابلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، اننا جادون بالحوار مع الاونروا ومستعدون له ولكن نصر على ان يكون برعاية دولية على مستوى ممثلة الامين العام للامم المتحدة سيريغد كاغ، ولبنانية برعاية اللواء عباس ابراهيم الذي اكد على تفهمه ودعمه للمطالب الفلسطينية، وانه يؤيد الحوار بين الطرفين".
وعلى وقع الحوار، فان "خلية ازمة الاونروا" وبدعم القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة اكدت انه لا تراجع او تنازل عن اي مطلب من هذه الرزمة المتكاملة، وستبقى تخوض الحراك سلميا على قناعة راسخة بان الدفاع عن حقوقنا مسألة حياة او موت، وفق ما تؤكد المصادر نفسها، حيث تقول: "حراكنا ديمقراطي سياسي شعبي انساني، نريد العيش بكرامة الى حين العودة، ولا نريد الموت بصمت، او على ابواب المستشفيات او في زوايا المنازل".
تحدٍّ وضجة
غير ان التحدي الكبير، هو المحافظة على وحدة الموقف الداخلي، فالقوى الفلسطينية تتهم شمالي باللعب على وتر الخلافات حينا، وبالتحريض لزرع الفتنة بين اللاجئين ومرجعياتهم السياسية والحزبية، عبر التشكيك بتمثيلها الشرعي لهم، واظهار نفسه وكأنه الحريص على مصالحهم، وقد جاء اللقاء الذي جمع ممثل حركة "حماس" في لنبان علي بركة والمدير شمالي، ليطرح تساؤلات حول خلفيته قبل ايام على بدء الحوار الثنائي.
مصادر "حماس" وضعته في اطار زيارة الاطمئنان الى صحة بركة بعد اجراء عملية تمييل وقسطرة، وانه لا يمكن ان يرد زائرا مهما كان، وقد أخذ ضجّة اكبر من حجمه، الا ان "خلية الازمة" اعتبرته خرقا للموقف الفلسطيني الموحد "بعد الاستفسار في الحركة الذين بيّنوا بان الزيارة مرضية ليس اكثر"، وتقول مصادرها: "يهمنا ان نؤكد ثقتنا الكبيرة ببركة، وانه لا يمكن ان يُقَدِّم شيئاً للمدير العام بعيداً عن المطالب المتفق عليها لدى القيادة السياسية والخلية وعموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبالرغم من ذلك، نرى في قبول بركة لهذه الزيارة خرقاً للاجماع، علما بأن كل اللقاءات التي جرت مع شمالي سابقا ومن ضمنها اللقاء مع سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، قد جرت تحت مظلة الاجماع الفلسطيني الوطني والاسلامي".
أمن عين الحلوة
وسط ترتيبات الملفات، بقي الوضع في عين الحلوة يستأثر بالاهتمام السياسي والامني اللبناني والفلسطيني حيث شهد حركة سياسية لافتة، إذ بعد اقل من 24 ساعة على زيارة مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان، زار وفد من "هيئة علماء المسلمين في لبنان" برئاسة رئيس المكتب التنفيذي وعضو المكتب الإداري الشيخ خالد عارفي ممثلي "القوى الإسلامية"، ونقل رسالة بضرورة التواصل والتشاور بين كافة المكونات السياسية للعمل على إنهاء ذيول الأحداث الأمنية في المخيم وبجهد مضاعف لعدم تكرارها من خلال إيجاد حلول، والسعي في الصلح بين الأحياء والأهالي التي حصلت الأحداث فيها مؤخرا.
هذه "الرسالة" التي تلاقت مع "نصيحة" المفتي سوسان بضرورة تحصين أمن المخيم، و"دعوات" القوى السياسية اللبنانية الى عدم الانجرار الى فتنة، على خلفية استمرار الاحداث المتنقلة، واطلاق النار والتي دلت على استمرار اجواء الاحتقان، بحيث ان اي اشكال بات قابلا للتوتير والتفجير لاقل الاسباب وعلى خلفية مناطقية وعائلية وليست سياسية وتنظيمية فقط، تحاكي الجهود الفلسطينية المبذولة لحمايته على قاعدة "لا نريد ان تنحرف البوصلة عن فلسطين ولا عن مطالبنا تجاه الاونروا".
خلاصة المشهد، ثمة من يخشى ان يكون هناك ترابط بين الاثنين، لان المعركة المطلبية سياسية بامتياز، كما أنّ حماية المخيمات وتحصين أمنها واستقرارها والجوار اللبناني مهمة وطنية بامتياز، ولذلك ينصبّ الجهد السياسي والامني اللبناني على تبريد الساحة الفلسطينية كذلك في اطار تبريد الساحة اللبنانية بشكل عام.