ما هي أبعاد التوغل العسكري التركي عبر الحدود الشمالية السورية؟
لم ينتظر الرئيس التركي اردوغان كثيرا بعد اجهاض الانقلاب العسكري وحملة التطهير الداخلية، لكي ينصرف الى تحقيق ما سعى اليه منذ فترة طويلة اي اقامة ما يسمى بمنطقة نفوذ عازلة وضرب محاولة قيام دويلة كردية في الخاصرة الجنوبية.
فبعد ان اطمأن نسبياً للوضع الداخلي اراد ان يضرب الحديد، فبعد ان اطمأن نسبيا لوضعه الداخلي سارع الى «ضرب الحديد وهو حامي»، فأقدم على هذه الخطوة مستفيداً من اجواء المناورة السياسية التي قام بها بعد الانقلاب من اجل كسب غطاء اميركي كان غير متوفر في الماضي.
ووفقاً لقراءة المراقبين فان ما اقدمت عليه أنقرة باتجاه مدينة جرابلس لا يمكن وضعه تحت عنوان «العملية العسكرية المحدودة»، خصوصاً ان القيادة التركية اعلنت بصراحة عزمها على توسيع رقعة اندفاعها العسكري ما لم يتراجع الاكراد خلف الفرات او تؤمن سلامة حدودها مع سوريا.
ومما لا شك فيه، وفق القراءة، ان اردوغان استغل المناورة التي قام بها باتجاه موسكو وطهران لكي يرفع سعر اعادة ترتيب العلاقات مع واشنطن. كما ان الادارة الاميركية وجدت نفسها في ضوء التطورات الاخيرة بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا تفقد المزيد من الاوراق في ما يتعلق بالتطورات في سوريا، ما جعلها تسارع الى تغطية الخطوة التركية من خلال الدعم الجوي المباشر.
ورغم التطور الايجابي الذي طرأ على العلاقة بين موسكو وانقرة بعد الانقلاب الفاشل، فان الكرملين ينظر بقلق الى العملية العسكرية التركية. ويقول مصدر ديبلوماسي روسي ان مصدر هذا القلق هو ان العنوان المعلن للعملية لا يعكس حقيقة ما جرى حتى الان على الارض، فمعركة جرابلس لم تكن سوى عملية استعراضية بدليل انسحاب عناصر داعش واختفائهم دون ان يلحق بهم اي اذى، لا بل ان المسلحين الذين حلّوا محلهم انتهجوا ومارسوا الارهاب ايضاً مثل حركة نور الدين زنكي التي اقدمت على أعمال وجرائم ارهابية عديدة احد نماذجها ذبح الطفل الفلسطيني في حلب.
ويضيف المصدر ان هذا الفرق بين ما هو معلن وبين ما هو غير معلن يثير القلق والمخاوف، خصوصاً ان ما أقدمت عليه انقرة لم يكن موضع تنسيق او تعاون مع القوى التي تحارب الارهاب ومنها الحكومة السورية التي قابلت وتقاتل المجموعات الارهابية على ارضها.
ويحرص المصدر الديبلوماسي الروسي على تجنب الفوضى في تفاصيل اسباب مسارعة واشنطن الى تغطية ودعم العملية التركية، لكنه لا يستبعد بان تكون الادارة الاميركية في صدد الافادة من موقفها هذا من اجل اعادة اردوغان الى المربع الاول للعلاقات معها بعد ان باشر بسياسة مدّ اليد الى موسكو وطهران بعد الانقلاب.
ومع ذلك يعول المصدر على المحادثات والمفاوضات المستمرة بين موسكو وواشنطن حول سوريا، لكنه لا يريد الكلام عن تفاصيلها ونتائجها او استباق الوقت، ما يعطي انطباعاً واضحاً بان هناك حاجة لمزيد من الجهد والوقت قبل بلورة اتفاق او تسوية كاملة.
ومما لا شك فيه ان لموسكو اسبابها في ان تبقى حذرة تجاه واشنطن والغرب عموماً، فحسب ما ينقل عن اجواء المسؤولين الروس انهم يشعرون بان هناك هستيريا مجنونة من قبل الغرب ضد روسيا، وان هذه الهستيريا تتجاوز الحرب الباردة المعروفة. فاذا كان الغرب قد تسلح في السابق بحملته على الاتحاد السوفياتي وروسيا بمظلة محاربة الشيوعية فانه اليوم يعتمد في حملته على التخويف من «بعبع» النفوذ والامبراطورية الروسية الجديدة.
من هنا فان مثل هذه الاجواء الساخنة لا تساعد على تسريع وتيرة التلاقي بين روسيا والغرب لمحاربة الارهاب ولتشكيل جبهة حقيقية موحدة ضده كما تطالب وتسعى اليه روسيا.
بالنسبة لموضوع الاكراد في سوريا فان موسكو تنظر اليه من زاوية ان المعيار هو الانخراط في محاربة الارهاب، وهذا يفترض جمع كل الطاقات والقوى بهذا الاتجاه ما يعني التعاون مع الحكومة السورية وكل القوى في هذه الحرب.
اما في ما يتعلق بالامور الاخرى التي يطالب ويسعى الكرد الى تحقيقها، فان روسيا ترى ان الحوار هو السبيل لبحث مثل هذه الامور.