مات شيمون بيريز… الصهيوني القادم من بولندا وعمره 11 سنة، المستوطن المحتل في فلسطين، القيادي في ما بعد في المنظمة الإرهابية الهاجانا التي عاثت في الأرض العربية قتلاً وتهجيراً مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، كشتيرن والارغون، والتي مارست التطهير العرقي ضد الشعب العربي الفلسطيني، على مدار سنوات طويلة.
مات شيمون بيريز مهندس موجات الاستيطان في الضفة الغربية بعد احتلالها عام 1967، وأحد الصقور البارزين من داعمي سياسة الاستيطان التي اقتلعت الفلسطينيين من بيوتهم وأملاكهم وبلدانهم. وكان المحرّك الرئيس في بناء المشروع النووي «الإسرائيلي»، وأبرز المندفعين والمحرضين للقيام بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 الذي قادته كلٌّ من بريطانيا وفرنسا ضد مصر وزعيمها الخالد. كما كانت له اليد الطولى في تأجيج الصراعات وحركات التمرد والانفصال في عالمنا العربي.
مات شيمون بيريز، الذي وإن حاز على جائزة نوبل للسلام، فصورته لن تتغير عند الأحرار العرب وعند الشعوب العربية. وإن سياساته الإرهابية التي مارسها بحق الأمة، لن تزول من ذاكرة شعب فلسطين ولا من ذاكرة الشعوب العربية والأجيال القادمة التي ستردد دائماً ما ارتكبه شيمون بيريز، جزار قانا، حيث لا تزال أرضها مبللة بدماء عشرات الشهداء.
مات شيمون بيريز، وسار في جنازته أجانب وبعض العرب. أما الأجانب فهذا شأنهم وشأن سياساتهم ومصالحهم. أما أن يشارك بعض العرب ذلاً وخنوعاً، فهذا أمر آخر.
قبل اثني عشر عاماً، مات ياسر عرفات، ورغم كل ما كان يمثله الرجل من قيادة ورمز وموقع بالنسبة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ورغم أن عرفات أعطى لـ «الإسرائيليين» ما لم يعطه فلسطيني لهم وهو صك اتفاق أوسلو، ومع ذلك لم يشارك مسؤول «إسرائيلي» واحد في جنازته، لأن عدم المشاركة كانت تعبّر بوضوح كامل عن مدى موقف وحقد «إسرائيل» وكراهيتها، ليس لشخص عرفات فقط، وإنما للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني المقاوم برمّته.
أن نرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد اثني عشر عاماً، ومعه بعض المسؤولين في مقدمة الحضور أثناء تشييع جنازة مَن ارتكب المجازر في فلسطين ولبنان، وأن نرى بعض العرب يشاركون فيها، فهذا استخفاف كبير بكرامة أمة وكرامة شعب. وفوق كل ذلك، هي مشاركة تعبّر عن مدى الانحطاط الذي وصلنا إليه بالتخلي عن أدنى الاعتبار للكرامة العربية والعنفوان والمعاملة بالمثل والقيم التي لم يتخلّ عنها حتى من عاشوا في الجاهلية الأولى.
هل يظنّ بعض العرب الذين شاركوا في جنازة شيمون بيريز، أنهم استحوذوا على احترام ومحبة وتقدير «الإسرائيليين» لهم؟! أو أن حضورهم غيّر من نظرة «الإسرائيليين» حيالهم؟! إنهم يعرفون جيداً كما يعرف «الإسرائيليون» وأكثر، أن حضورهم الجنازة سيزيد من احتقار «الإسرائيليين» واستخفافهم بهم.
أغلبية أعضاء الكنيست العرب، الذين كان لهم موقفهم الشجاع المعبّر عن الإباء والكرامة، قاطعت الجنازة. هؤلاء النواب رأوا في شيمون بيريز غير ما رآه الغيارى من بعض العرب على موته. فهم لم ينسوا النكبة التي حلّت بشعب فلسطين عام 1948، ولم ينسوا دور شيمون بيريز في المجازر والاستيطان، وبناء المستعمرات على حساب الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم واستخدام وسائل التنكيل والقتل والتدمير والتهديد كافة.
هل مشاركة السلطة الفلسطينية في مراسم تشييع بيريز تعزّز وحدة الصف الفلسطيني؟! وهل المشاركة من قبل الرئيس محمود عباس سيأخذها بالاعتبار جزار غزة؟! في يوم الجنازة كان رد نتنياهو وقحاً بعد القرار الذي اتخذته الحكومة «الإسرائيلية» القاضي ببناء المزيد من المستوطنات والوحدات السكنية.
كيف يمكن لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يشارك شخصياً في جنازة بيريز، وفي السجون «الإسرائيلية» والمعتقلات أكثر من ستة آلاف معتقل، والعديد منهم منذ أيام حكم بيريز يقبعون فيها، في ظل أحكام جائرة تعسفية عنصرية وعلى رأسهم المناضل مروان البرغوتي، أحد أبرز الرموز الوطنية الفلسطينية، وأحد قياديي حركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس محمود عباس؟!!
يا ليت دموع بعض العرب التي ذرفوها على بيريز أثمرت ولو لدقائق قليلة… لكن عندما تسقط الكرامات، ويسقط الإباء وعزة النفس، ويُساء لأرواح شهداء الأمة كلها الذين استشهدوا على أيدي الجزارين الصهاينة، في فلسطين ولبنان، وسوريا، ومصر، والأردن، وتونس، لا سيما منهم جزار قانا.. تقول: إن لم تستحِ فاصنع ما شئت… لكن جماهير الأمة لن تنسى ولن تغفر… وستحاسب…
وزير سابق