... أمّا وقد كسرتَ حلقة صمتٍ عمرُها سنون، وحقّقتَ حلمَ شعبٍ لم يقلّ انتظارُه طولًا عن انتظارك؛ أمّا وقد غدوتَ رئيسًا رغمًا عن أنوف كثيرين من متّهميك بشهوة السلطة وهم من مصدّري الشهوة اليها، أخاطبُك وأنا كارهُ صيغة المخاطب المستشعرُ ثقلَها وتفاهتَها مضمونًا وأسلوبًا، والراكنُ اليها للمرة الثانية في غضون شهر بعد مخاطبة من منحكَ صوتَه وانتظرَ صوتك أمس ليكون رئيس حكومة العهد الجديد.
يكتبون فيك الكثير. أنتَ الرئيس اليوم والجميع اكتشفوا أنهم عونيون بالفطرة (سبحان الله). سيُغرقك هؤلاء بتملّقاتٍ قولية وفعلية. سيُغدقون عليكَ بهداياهم البلدية وأبيات شعرهم. سينظرون اليك نظراتِ عشقٍ وهيام فيما هم في الحقيقة صُباة منصبٍ أو خدمة. سينهالون عليكَ بمآثرهم الكتابية ومقالاتهم الصحافية (هذه ليست منها). نخبرك ذلك وأنتَ العارف به المتمرّغُ في طينات الخضرمة، القارئ الحَسَن في وجوهٍ تضحكُ لصورةٍ تذكارية وأخرى انعكاسٌ لضحكاتٍ قلب وصميم.
كثيرة الرسائل التي ستردك غارقة في ممجوجاتٍ كتابيّة و”كليشيهات” تعبيرية لا يميّزها سوى أسلوبٍ أو سياقٍ، وقد لا يميّزها شيءٌ كالبنات البلاستيكيات اليوم. اعتبر هذا النصّ القصير واحدةً من تلك الرسائل. اعتبره ورقةً تصلح لنقعها من دون شرب مائها حتى. لا يهمّ طالما أن إعلان بعبدا الشاخص على جدار إحدى غرف القصر لا يبدو في الحلة والمضمون أفضل من هذا النصّ الذي نحن في صدده.
لسنا في موقع وعظك، ولا في وارد التَوبُّل (من وابل) عليك بالنصائح والترّهات. اعتبرها طلبات مواطن بسيط يجيد قلمه التعبير أكثر من شفتيه، أو اعتبرها أمنيةً من ولدٍ الى أبيه. أوَلستَ أنتَ “بيّ الكل” كما يصفك عارفوك خير معرفة؟
يا فخامة العماد، لا تكنْ صورةً على جدارٍ ينتشي بها عشّاقُك في كلّ إدارةٍ رسمية أو مكان عام. أجدُني مضطرًا الى قولها: تاريخُك يبدو أكبر بكثير من تلك الصورة. وآمالنا بعهدك أكبر من كليهما. تليق بك تلك الصورة ولا تليق. تليق بك لأنّ كلّ فاسدٍ وممعن في الفساد أو مشروع فاسدٍ سينظر الى صورتك المعلقة فوق رأسه طوعًا وقسرًا ويفكّر مرّتين قبل أن يُقدِم على فعلته. ولا تليق بك لأنّ صورتك المحفورة في قلوب أبناء “شعبك العظيم” أكبر من أن يسجنها إطار خشبي ويعانقها جدار جامد.
لا تكن يا فخامة العماد تجربةً مستفزّة. لا تكن “ميشال” آخر (بالتجربة لا بالحجم الشعبي غير القابل للمقارنة) غير قادر اليوم على حصد مقعدٍ واحدٍ في بلدية بلدته التي من المفترض أن تكون وفيةً له قبل باقي البلدات القريبة والبعيدة.
اجعلْ يا عمادَ الشعب خطابَ قسمك المتقن سياقًا ومضمونًا صلاتَك وصلاتَنا اليومية. ننهل منها الكثير من الرجاء بترابٍ يرفض استقبال المزيد من الشهداء، وسماءٍ تأبى استضافة رصاص الموت، وزوايا تنبض حياةً بعدما ألمّ بها الشللُ على أنواعه.
لا تبدّلْ يا عمادَ الشعب من طباعِك. لا تليق بك المهادنة. سيبغضُك كثيرون من عشّاق التملّق وتوزيع الابتسامات. سيتحفّظ عليك صحافيون وزوّار. لا يهمّ. أسلوبُك هو أنت وليس المطلوب أن يستسيغه الجميع من المعتادين على “السيلفي” مع ذوي ربطات العنق الفاخرة والعطور الباريسية.
أعِدْ يا فخامة العماد الى المسيحيين بعضًا من مجدٍ ضال. أشعرهم مجددًا بأنهم أرباب النهضة المشرقية. أرِح قلوبهم كما قلوب المسلمين من ذوي العطاءات الفكرية بدءًا بجبل عامل وامتدادًا.
قلْ يا فخامة العماد لسيّدتك الأولى التي يعرفها لبنانيون قلائل ومع ذلك يشعرون بأنهم يعرفونها منذ زمن أن تبقى على ما هي عليه، سيّدة قصر الجنرال وقلبه وقلوب عارفيها والمتعرفين اليها حديثًا.
كنْ يا عماد الشعب رجلَ العهد الجديد. كن ميشال عون ببساطة، ذاك الذي أحبته غالبية وأبغضته قلة... فلا بدّ لتلك القلة أن تفهم ذات يوم من كنتَ ومن أنتَ ومن ستكون!
ولك منا ولعهدك صلاة...