قد يكون النائب وليد جنبلاط والوزير السابق وئام وهاب، ابنا التوحيد، قريبين أكثر مما يتصوّره عقلٌ لبناني. الفوارق الظاهرة كثيرة لدرجة يصعب حصرها في لعبة “الفوارق” الشهيرة في “شبكات الحلّ”، ولكنّ ذلك لا يلغي حقيقة أن الامتعاض من التعاطي مع المكوّن الدرزي في مسار تأليف حكومة العهد الجديد هو نفسُه في قلبيهما مع اختلاف التسويغات والأسلوب والغايات.
أفلح رجل المختارة في جرّ رجل الجاهلية الى لعبته الإلكترونية. باتت بين الرجلين تغريدات تتجاوز إطار “الحرص على تمثيل الطائفة” الى تصويباتٍ شخصية مرمّزة. يهاجم وليد بك سرايا التوحيد بالسهام الورقية الطائشة، فيردّ وهاب بالنمور الكرتونية... وتتوالى فصول الحكاية بين الممثل الأول للدروز في لبنان والوزير السابق الطامح الى تعديل المسار للحفاظ على المصير.
ليس بين هذين الرجلين...
إذا التقى جنبلاط والنائب طلال إرسلان ذات يوم، فإن لقاءً مماثلاً بين جنبلاط ووهّاب يبدو شديد التعذّر والغرابة. عوّل كثيرون على “صاعقة” العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ليقولوا إن “المستحيل في السياسة ممكن”، ولكن ليس بين هذين الرجلين الدرزيَّين، حيث تبدو حساباتهما مختلفة عن الزعيمين المسيحيَّين، كما يشكّل انضواء كلٍّ منهما في محورين متباعدين العقدة الأكبر. لا حاجة الى استعادة حكاية رفع السقوف الكلامي الذي تمحوه أولى شتوات المصلحة، فأن يصف وهاب جنبلاط بالمريض ليس كافيًا لحسم عدم جدوى لقائهما، وأن يهزأ جنبلاط بسرايا وهّاب ليس كافيًا هو الآخر لحسم عدم جدوى لقائهما. القصّة أكبر من تغريدة وأكبر من تصريح.
نيرانٌ غير صديقة
منذ تسع سنوات تقريبًا (مطلع كانون الثاني 2008)، أي قبل وقوع الأزمة السورية التي أسعرت مزيدًا من النيران بين المختارة والجاهلية، قسا وهّاب على جنبلاط، فجعل منه مريضًا عصبيًا يخضع للعلاج في مستشفى للأمراض العصبية في باريس يدعى Sainte Anne، من دون أن يُغفِل الإشارة الى “احتقاره له”. مضت الأيام وثابر جنبلاط لتحجيم وهّاب بما استطاع محاولًا استخدام ورقة إرسلان في غير مناسبة. بقي جنبلاط على موقفه من النظام السوري وبقي وهّاب على موقفه منه. خرّب جنبلاط وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة في المرة الأولى فيما استكمل وهّاب التشديد على أحقيّة جنرال الرابية الى أن انتُخِب رئيسًا وكان لجنبلاط دورٌ في ذلك. ظنّ بعضهم أن الأمور بين الرجلين ستسلك “الصراط المستقيم” ليخطئوا مجددًا، ولتستعر بينهما نيرانٌ “غير صديقة” على خلفية حدثين: الحصة الدرزية المقزّمة في الحكومة، وإطلاق سرايا التوحيد في الجاهلية.
تعاطٍ "استخفافي"
بالنسبة الى حركة وهّاب “الرياضية” يصرّ عارفو جنبلاط على تأكيد عدم إيلائه أيّ أهمية لها كي لا تأخذ طابعًا أكبر مما تستحقّ، تاركًا القضية في يدي وزير الداخلية الذي واظب على “محاربة” كلّ تكتّل بشري مسلّح خارج إطار المؤسسة العسكرية ولو كان يدّعي دعمها، وطبعًا بعيدًا من المسّ في سلاح حزب الله. نجح وهّاب مرة أخرى في استثارة غيظ بعض الموحّدين الذين لم يبتلعوا فكرة إنشاء السرايا ولا حتى عرضها الذي حمل أكثر من رسالة لجنبلاط أولًا وللعهد الجديد ثانيًا. خفت نجم السرايا من دون أن يأفل فسطع نجمُ الدور الدرزي في حكومة الرئيس سعد الحريري. كلا الرجلين غير راضٍ عن التعاطي “الاستخفافي” مع الطائفة الدرزية، ولكن ما يجرؤ وهّاب على قوله لا يجرؤ جنبلاط على قوله. ينتقد وهّاب بقسوةٍ ممثلي الطائفة الدرزية في الحكومة، فيما يُبقي جنبلاط غُصّته في القلب مكتفيًا بتغريداتٍ “تصعيدية” سرعان ما يُعقِبها بعبارة “مجرّد مزحة”. تلك المزحة هي أرقٌ يومي لوليد بكّ أنى حلّ خصوصًا أنه غير مقتنع بالحصة وطبيعة الحقائب المُسندة اليه من جهة، ولا يريد عرقلة عمل الرئيس المكلف ووضع العصي في الإطارات أمام العهد الجديد الذي لا ينقصه مزيدٌ من العرقلات التي لها أربابُها والذين يقفون وراء تأخير التشكيل بعد مضي قرابة شهر على التكليف.
رسائل ناعمة...
ينقل جنبلاط على ما علمت “البلد” رسائلَ ناعمة الى الحريري فحواها نوعٌ من “تربيح الجميلة” بارتضائه بما سيُعطى فقط كرمى عيني الرئيس المكلّف والعهد الجديد لاقتناعه بأنها حكومة لن تعمّر أكثر من ستّة أشهر، أما وهّاب فيعود الى الرُشد بعد التصعيد الكلامي ليطرح فكرة لقاء درزي يبحث إهمال ممثل الطائفة داخل الحكومة. للوهلة الأولى يتراءى لكثيرين أن وهّاب يدافع حقًا عن جنبلاط لمجرّد اعترافه بأنه ممثل الطائفة الدرزية داخل الحكومة، إلا أن جسّ نبض إضافيًا يقود الى قراءة لغير مؤيّدي الرجل ومفادُها توسيع رقعة التمثيل لتشمله لأنه واحدٌ من ممثلي الطائفة القادر على الحشد ربما أكثر من المير إرسلان. وتتعزز فرضية عدم دفاع وهّاب عن جنبلاط أو إرسلان في كلامٍ لا يزيد عمره عن أسبوع يرفض فيه الاعتراف بمن “يفتح كازينو في منزله” كممثل للطائفة في الحكومة.
دورٌ مذيّل بـ”الغبن"...
هو العهد الجديد يجمع جنبلاط ووهّاب لا في حكومةٍ واحدة بل في ارتضائهما بالصيغة المُنتَجة وفي دعمهما العلني للرئيس ميشال عون. التقاء على شخص الرئيس العماد قد لا يمهّد في الضرورة للقاءٍ من نوع آخر حتى لو أن أيَّ دورٍ درزي، تشريعيًا كان أم تنفيذيًا، مذيلٌ بـ”الغبن"!