يقف الرئيس سعد الحريري على شرفة بيت الوسط بعد أن يغادر شرفة السراي. يقف متأملًا بيروت التي ستجدد محبتها له في انتخابات العام 2017 إن حصلت. يقف متأملًا الشارع الذي ما لفظه رغم الغياب ولن يخيّبه بعد العودة الدائمة الى لبنان والسلطة. في القلب غصة، ماذا أفعل في جلسة اليوم؟
يُخيَّل لكثيرين أن الحريري خلال وقفته تلك يمسك بزهرة أقحوان لا ليستعيد ذكريات طفولته في العاصمة بل ليلعب لعبة طفولية ويحاول إسقاطها على جلسة اليوم المنتظرة. ينتزع الرجل ورقة تلو الأخرى: أناقش قانون الانتخاب، لا أناقش. أناقش، لا أناقش. أناقش، لا أناقش. لا تنتهي اللعبة، فحتى كتابة هذه السطور لا جواب حاسمًا لديه.
بمَ سيغامر؟
تبدو جلسة الحكومة اليوم وكأنها تحدٍّ كبير للحريري الشاب. فإما عليه أن يغامر بصبر اللبنانيين الذين وُعِدوا بأن تناقش الجلسة قانون الانتخاب وأن تصوّت على واحدٍ من التأهيلي والنسبي المطروحين، وإما عليه أن يغامر بالسكينة النسبية التي يعيشها البلد من خلال سحب فتيل الانفجار الذي يمكن أن يحدثه التصويت على قانون قبل التوافق والإجماع عليه. هي معضلة جدلية للرئيس الحريري نفسه قبل أي شخص آخر من رجالات العهد. ففيما تبدو الأمور الانتخابية مهتزة بعض الشيء بين الحليفين الماروني (التيار الوطني الحر) والشيعي (حزب الله وخلفه حركة أمل)، تضيق الخيارات أمام الحريري ولا يجد أمامه على الطاولة سوى مشروعين ما زالا على قيد الحياة: التأهيلي والنسبي. أولهما يلقى اعتراضاتٍ جمة، وثانيهما محلّ تشكيك لا سيما أن ليس كلّ ما يُحكى يُقصَد، وبعض المدافعين عن النسبية والمنادين بها منذ أشهر تخلوا عنها في ليلةٍ غير قمراء أو هكذا أوحوا لسامعيهم.
عموميات...
ليست أمام الحكومة احتمالاتٍ جمّة اليوم، فإما أن تنحو الى مناقشة بنودٍ عامة قد تصل الى المئة وهو ما ترجّحه مصادر وزارية عبر “البلد” مشيرةً الى أن “البحث سيبقى في إطار العموميات من دون أن يغوص أو يلامس الجوهر، والمقصود بالجوهر هنا قانون الانتخاب وذلك منعًا للخلافات الحادة التي قد تودي بالحكومة الى شللٍ تام كما سالفتها، لا سيما أن ليس هناك توافقٌ بعد على قانون انتخابي أو حتى رائحة توافق. وإما أن يأخذ رئيسها على نفسه خوض غمار مناقشة القانون المنتظر لدفع الأمور قدمًا وهو السيناريو الخاسر حتى الساعة ركونًا الى وعي الحريري لحساسية المرحلة وخطورة مثل هذه الخطوة”.
عصفوران بحجر!
"اطمئنوا لن يكون هناك تمديد”... الكلام للرئيس نبيه بري الذي ضرب بعبارته تلك عصفورين بحجر واحد: أولًا أثلج قلوب المتوجّسين من تمديد ثالث، وثانيًا أبعد التهمة عنه خصوصًا أنه كان المروّج الأول للتمديد في وجه الفراغ. كلام بري يقود الى ليونةٍ حملها خطاب السيد حسن نصرالله الأخير والذي أكد فيه أن الثنائي الشيعي لا يعترض على أيّ قانون بل يتمسك بالتوافق ويسير بأي قانون يوافق عليه اللبنانيون. في هذا الكلام أيضًا رسالةٌ واضحة الى التيار الوطني الحر وأكثر تحديدًا الى الوزير جبران باسيل على ما تقرؤه مصادر وزارية، مؤكدةً أن العقدة تبقى في سعي الثنائية المسيحية التي تحاول تفصيل القانون على قياسها”.
موقع لا يُحسَد عليه
ليس الحريري في موقعٍ يُحسد عليه شأنه شأن رئيس الجمهورية. فالشاب الوثّاب القريب من الناس والذي لا يترك مناسبة ترفيهية أو اجتماعية إلا ويشارك فيها يبدو أمام منعطفٍ غير سهل له وللعهد برمّته. فمن جهةٍ ليس المطلوب منه تجاهل هموم الناس وحقهم الديمقراطي في الاقتراع لحساب مناقشة تغطية سفر الوزراء، واضعًا نفسه في موقع اللامبالي أقله شكليًا ومتجاهلًا المهل التي تزدحم وتتراصف وتقترب من النفاد. ومن جهةٍ أخرى، ليس قرار التصويت على أي قانون حكيمًا في مثل هذا الاحتدام.
مفاتيح بري
واضحٌ أن الرئيس نبيه بري وحده يمتلك مفاتيح انتخابية جمّة. فالرجل قادرٌ ببساطة على التحكّم بمجريات جلسة 15 أيار، ولو أن هناك قرارًا واضحًا بعدم الذهاب الى جلسةٍ تمديديّة وهو ما حاول سيّد عين التينة تفسيره في كلامه في لقاء الأربعاء أمس. جلسة قد يكون مصيرها التأجيل لا سيما أن النقاش الانتخابي لاستصدار قانون للانتخاب يمكن أن يستمرّ حتى حزيران المقبل. وعليه، قد يكون الحلّ في جلساتٍ متتالية يدعو اليها بري بصورةٍ مكثفة الى حين بلوغ المنشود، وقد لا يحتاج رئيس المجلس الى مثل هذا السيناريو في حال استفاقت الكتل من واقع أنانيتها المرير، وأراحت الحريري واستراحت، طالما أنها باتت على علم بأن اصطيادها في ماء التمديد العكر ما عاد مجديًا، وبأن لجوء الرئيس الحريري الى زهرة الأقحوان في نهاية النهار قد لا يكون نافعًا هو الآخر متى قرر السير بما تيسّر منعًا للفراغ أو بقانون توافق عليه الأغلبية لا الجميع.