في هذا الشّهرِ المباركِ الّذي دُعينا فيهِ جميعاً إلى ضيافةِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، لأبدَّ علينا أن نُحسِنَ هذهِ الدعوةَ وأن نلبي هذهِ الدعوةَ ونُحسِنُ التّعاطي معها، فإنّها دعوةٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ لعبادهِ المؤمنين، إنها دعوةٌ من اللهِ سبحانه وتعالى، الخالقُ، البارئُ، المنعمُ، المتفضِّلُ، الرؤوفُ بعبادهِ، دعوةٌ إلى ضيافتِهِ في رحمتِهِ، إلى شهرٍ كما وصفَهُ النّبيُّ (ص):
"تُغَلُّ بهِ أيدي الشّياطينِ، وتُفْتَحُ بهِ أبوابُ الجنانِ، ويُدعى فيه الإنسانُ للدّخولِ إلى رحمةِ اللهِ سبحانهُ وتعالى".
ميزةُ هذا الشّهرُ الكريمُ عن سائرِ الشّهورِ من حيثُ واجباتِ العبدِ، ومن حيثُ النِّعَمِ الإلهيّةِ هي واحدةٌ، فالعبدُ أمامَ حقائقَ وواجباتٍ وتكاليفَ واضحةٍ سواءً كُنّا في شهرِ رمضانَ أو في أيِّ شهرٍ من الأشهرِ الأخرى، كما أنَّ الرَّحمةَ الإلهيّةَ هي بابٌ واسعٌ يستدعي دخولَ الإنسانِ إليها في أيِّ وقتٍ كان، وأي زمنٍ كان، ليسَ هناكَ خصوصيّاتٌ، ولا زمانٌ يُغلقُ فيهِ بابُ الرّحمةِ من اللهِ، وليسَ هناك زمانٌ لا يسمعُ اللهُ فيهِ لتوبةِ العبدِ، الأزمنةُ هنا واحدةٌ لا تختلفُ، إنّما الإختلافُ وميزةُ شهرِ رمضانَ عن سائرِ الأشهرِ أنّهُ يعطي محفّزاتٍ أكثر، يُهَوَّنُ الطّريقَ، يعطي لعملِ الإنسانِ نتاجاً أوسع، يمنَحُهُ فُسْحَةً من الأملِ يمكن أنْ ينتجَها مع نفسِهِ دون سائرِ الأشهرِ، هذهِ فرصةٌ يمكنُ للإنسانِ أنْ يسْتغلَّها ليُعيدَ النّظَرَ معَ نفسِهِ، ومعَ الذّين لهم حقوقٌ عليه، وكأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ من خلالِ هذا الشّهرِ المباركِ يقولُ: أيُّها الإنسانُ، هذهِ فرصةٌ تستطيعُ أنْ تفتحَ فيها باباً جديداً بينكَ وبينَ نفسِكَ، وبينَكَ وبينَ الآخرين، وبينَك وبينَ أعمالِكَ، فيمكنُ للإنسانِ أثناءَ السّنةِ والأشهرِ والأيامِ العاديّةِ، إذا أرادَ أنْ يبادرَ إلى عملٍ صالحٍ، يمكنُ أن تكونَ بيئتُهُ لا تسمحُ لهَ بهذا العملِ، فيسألونَهُ : لِمَ هذا التّغيُّرُ؟ فلا يجد مبرراً أمام تسألات الأخرين بينما في شهرِ رمضانَ يقبلونَ منهُ ذلكَ، فالكثيرُ من النّاسِ حينما نتحدَّثُ إليهم في هذا الشَهرِ عن صالحِ الأعمالِ، يتلقّونَ الأمرَ بالقبولِ الصَّالحِ، يعني أننّا في هذا الشّهرِ اقربُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، والحالةُ المُحفِّزَةُ الّتي يَشْعُرُ بها الإنسانُ في هذا الشّهرِ لا يشعُرُ بها في الأيام ِ الأخرى، ولكن لو أنّ المؤمنَ طرقَ بابَ اللهِ سبحانهُ وتعالى في ايِّ يوم ٍمن الأيّامِ، هل سيجدُ هذا البابَ مسدوداً؟!.
وما نحتاجه حتى نصوب أعمالنا وتكون منتجة وتصل إلى نتائج صحيحة هو أن يكون صادرا من قلب صادق مخلص، فمهما كان العملُ بسيطاً مثلَ صّلاةِ ركعتَيْنِ في مسجدٍ، أو خطيراً كالمهامِ والمسؤولّيات العُظمى أمامَ المجتمعِ، لن يلاقيَ قبولاً عند اللهِ سبحانهُ تعالى إذا لم يكن مقروناً بالإخلاصِ.
من هنا نُؤَكِّدُ أنَّ قيمةَ عملِ الإنسانِ أن يكونَ ذلكَ العملُ نابعاً من إخلاصٍ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ وبما أنَّ شهرَ رمضانَ فرصةٌ لإعادةِ بنيةِ الإنسانِ وتفكيرِهِ ونفسيَّتِهِ، فَيَا أيُّها الإنسانُ في هذا الشّهرِ المباركِ، أعِدْ قراءةَ هذهِ النّفسِ حينما تقدمُ على عملٍ معيَّنٍ، واسألها : ما هو الباعثُ؟ ما هو المسبِّبُ؟ ماهو الدّافعُ لقيامِكَ بهذا العمل؟.
أيَّها الأخوةُ، نحنُ في هذا الشهرِ الكريمِ، نحتاجُ إلى أن نمتلكَ نفوساً صالحةً يصدرُ منها العملُ الصّالحُ، حتّى تكونَ موردَ قبولٍ عند اللهِ سبحانهُ تعالى ومؤثر عند الآخرين على مستوى الدنيا.
في هذا الشّهرِ المباركِ، ما نحتاجُ إليهِ هو أن نمتلكَ القدرةَ على أن ندخلَ هذا الشّهرَ بنيَّاتٍ صادقةٍ، علينا أن نكونَ صادقين بالعبادةِ الّتي نقومُ بها تجاهَ اللهِ سبحانهُ وتعالى، فالإمامُ الصّادقُ (ع) يقولُ: "إنّ للهِ عباداً عاملوهُ من سِرِّهِ فعاملهُم بخالصِ بِرِّهِ ". هؤلاءِ الّذين لديهُم خصوصيّةً عندَ اللهِ تعالى، فعندما يخلصونَ في أعمالِهِم، يكافئهم عليها مباشرةً من دونِ المرورِ بأحدٍ، وعندما سألوا الإمامَ الصّادقَ (ع): " كيف ذلك يا ابن رسولِ اللهِ؟ قال: "تمرُّ صحفُهُم يومَ القيامةِ فارغةً، فإذا وقفوا بين يديّ اللهِ عزَّ وجلَّ ملأها لهم بأعمالٍ صالحةٍ ، فقيل لهُ: "لماذا ياربُّ ملأتَ صحفَهُم الفارغةَ بأعمالٍ صالحةٍ؟ قالَ تعالى: "لأنَّهُم أخلَصُوا وأسرّوا لي بأعمالِهِم فأسرَرْتُ لهم بجزائي".
هكذا يكونُ العبدُ متميّزاً بعلاقتِهِ مع اللهِ سبحانهُ وتعالى يوم القيامةِ لأنَّهُ استطاعَ أنّ يأتيَ بعملٍ متميّزٍ في الحياة الدُّنيا.
أيُّها الأخوةُ الأعزّاءُ، في هذا الشّهرِ المباركِ أكثرُ ما نحتاجُ إليهِ، أن نعيدَ هذهِ العلاقةَ الّتي أرادها اللهُ أن تكونَ علاقةً صادقةً طيّبةً تنبعُ من إخلاصِ الإنسانِ العبدِ المؤمنِ مع ربِّهِ، لعلّها دمعةٌ واحدةٌ تخرجُ من عينِ الإنسانِ في دعائِهِ للهِ فتُلاقي ذلكَ القبولَ الّذي أرا دَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ في هذا الشّهرِ الكريمِ، ونحنُ نسألُهُ أنْ يوفِّقنَا وإيّاكم لما يُحبُّ ويرضى، وأن يجعلنا من أهلِ الطّاعةِ في هذا الشّهر المبارك.
*عضو الهيئة التشريعية بالمجلس الشيعي الاعلى