ينشغل اللبنانيون بأزمة النازحين السوريين والمواقف المتناقضة حول سبل اعادتهم الى بلادهم، فيما تنشغل دمشق بالمؤتمرات والمواقف الدولية الجديدة حول حل الأزمة، وبالمعارك الدائرة مع عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى التحضيرات للمرحلة المقبلة من اعادة الإعمار عبر مؤتمرات استثمارية أبرزها معرض دمشق الدولي.
من حيث المبدأ مسألة اللاجئين لا تأخذ حيزاً من النقاشات في سوريا، حيث أن القيادة السورية تركت الحرية للسوريين للعودة الى بلادهم وكانت في السابق قد وجهت دعوات في هذا الاطار وطلبت من الأجهزة الأمنية التسهيل، وقامت تلك الأجهزة بتسوية أوضاع الالاف، وتلك الدعوات لا تزال مفتوحة وسبق أن نظم عدد من الجمعيات والفعاليات السورية حملات لعودة النازحين من لبنان، بالتنسيق مع وزارة المصالحة الوطنية السورية والأجهزة الامنية اللبنانية والسورية، لكن في ذلك الوقت مورست ضغوطات على السوريين وجرى تخويفهم من قبل بعض اللبنانيين ما أفشل الحملات وترك الأمر للمبادرات الفردية.
في الواقع، لا ترى دمشق أن مسألة النازحين السوريين من أولوياتها حالياً، كما يعتبرها اللبنانيون، فالسلطات السورية اتخذت قرارات تسهل العودة وتركت الباب مفتوحاً لمن يرغب، وتقول مصادر سوريّة مطلعة على الملف ان تيارات سياسية لبنانية شجّعت السوريين على النزوح الى لبنان، كما هو الواقع في تركيا والأردن، وذلك لاستخدامهم كورقة ضغط ولتشويه صورة الدولة السورية، وتشير الى أن السحر انقلب على الساحر وأصبح النازحون بالنسبة للبعض عبئاً ثقيلاً، في حين أن الحكومة اللبنانية غير قادرة على اتخاذ قرار لمعالجة هذه الأزمة بطرق قانونية وانسانية، وهي ترفض الحديث مع الحكومة السورية لأسباب معروفة ومتصلة بالحسابات الاقليمية والدولية.
وذكر المصدر السوري أن شرعية الحكم في سوريا تؤخذ من الشعب السوري وأن دمشق لا تنتظر من أي دولة منحها شرعية، موضحاً أن معظم الدول العربية لديها قنوات تواصل مع سوريا، ومن بينها لبنان، وهناك علاقات اقتصادية وتبادل بين الدولتين ورسائل رسمية وغيرها من المسائل التي يعرفها العالمون بالأمر، وترى المصادر أن المثير للاستغراب هو اصرار البعض على رفض التواصل العلني مع الحكومة السورية، لكن في النهاية فان الأمر شأن لبناني وأبواب دمشق كانت ولا تزال مفتوحة "للأشقاء".
يدرك السوريون أن مسألة النازحين تدخل في اطار البزار الانتخابي والا ماذا جرى وماذا حرك الملف؟ واذا كان الأمر يقتصر على بضعة الاف من النازحين في جرود عرسال فإن الأمر من الممكن معالجته، حيث يستطيع هؤلاء العودة مناطقهم دون أن يمس أحد منهم، فالدولة السورية أبرمت مصالحات مع مسلحين حملوا السلاح ضد الجيش، ولذلك فإن ممارسة الضغط على النازحين وتخويفهم ووضعهم في خانة المعارضين للرئيس السوري بشار الأسد تصب في مصلحة افشال الجهود أو عرقلة عودتهم الى بلادهم، وهو السيناريو نفسه الذي يمارس على النازحين في جرود عرسال، من الضغط لافشال التسوية وتركهم اسرى ودروع بشرية لعناصر جبهة "النصرة"، فالوقائع تؤكد أن الأكثرية الساحقة منهم تفضل الدولة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أمر آخر مثير للاستغراب، يتعلق باستمرار خط الدخول غير الشرعي إلى لبنان من الجانب السوري، في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن إعادة النازحين، رغم محاولة المديرية العامة للأمن العام، بالتنسيق مع مديرية الهجرة والجوازات السورية، منع الدخول غير الشرعي الى لبنان واتخاذ اجراءات جديدة تمكن السلطات السورية واللبنانية من كشفهم.
عملياً، يرتبط ملف النازحين بنهاية الأزمة السورية وعودة العجلة الاقتصادية لحالتها الطبيعية، فالمعاناة الاقتصادية والمعيشية، هي السبب الأهم الذي يحول دون عودة النازحين إلى بلادهم، لا سيما أن عدداً كبيراً من المناطق السورية تشهد هدوءاً تاماً، وبالتالي من الممكن استيعاب أعداد كبيرة منهم.