فوجئت الاوساط المراقبة والجهات المعنية بالعدد الكبير للنازحين السوريين الذين سجلوا اسماءهم على قائمة طالبي الرحيل الى سوريا في اطار اتفاق جرود عرسال. فقد تجاوز العدد كل التوقعات وبلغ اكثر من عشرة الاف ،ما يعكس حقيقة يمكن البناء عليها في معالجة ملف النازحين.
والسؤال المطروح متى تبادر السلطات الرسمية اللبنانية الى فتح هذا الملف جديا بعيدا عن المزايدات والضغوطات الخارجية؟
منذ اسابيع طرح هذا الموضوع بقوة بعد ضبط وتوقيف عشرات الإرهابيين في العملية الإستباقية التي نفذها الجيش في مخيمات النازحين في عرسال ، فكان من الطبيعي ان تنصرف الحكومة بكل جدية الى المباشرة بمناقشة سبل التعاطي مع هذه الأزمة المتفاقمة،لكن ما حصل كان مخيبا بسبب استمرار بعض الأطراف داخل الحكومة وخارجها في معارضة التواصل مع السلطات الرسمية السورية وعلى رأسهم الرئيس الحريري.
ومما لا شك فيه ان هذا الموقف المتعنت رغم كل المتغيرات التي حصلت لصالح النظام السوري غير مبرر ولا يخدم او يساعد في وضع قضية النازحين على سكّة الحل. لا بل ان رفع سقف التصعيد من قبل رئيس الحكومة وفريقه ضد دمشق خلق اجواء غير مساعدة واعاق فتح هذا الملف الحيوي.
ويرى مصدر سياسي مطلع ان هذا التصعيد يتجاوز الموقف التقليدي المعتمد من المستقبل وحلفائه حيال النظام السوري ، وهو مرتبط بضغوط اقليمية ودولية معروفة. فالولايات المتحدة ومن يدور في فلكها في المنطقة
لا يريدون فتح ملف النازحين السوريين في لبنان من خلال التواصل والتعاون مع دمشق في الوقت الراهن لأنهم يعتبرون ان هذا التوجه هو انتصار للفريق الممانع والمقاوم.
ويكشف المصدر عن خطة كانت قد اعدت منذ اشهر ايضا لعودة النازحين السوريين وفق برنامج يأخذ بعين الإعتبار انتقالهم على مراحل الى الناطق الآمنة في سوريا بعد توسيع سيطرة الجيش العربي السوري في كل المناطق والاتجاهات. وأبدت السلطات السورية في حينه كل استعداد للتعاون من اجل تنفيذ هذه الخطة، واعطت اشارات ايجابية كبيرة للحكومة اللبنانية للمباشرة في تنفيذها. ويقال ان مراجع دولية وفي الامم المتحدة كانت على معرفة بهذا الموضوع لكن ضغوطا مورست من قبل واشنطن وحلفائها يومها ايضا لمنع التواصل والتعاون بين بيروت ودمشق، ما ادى الى افشال هذه الخطة وتضييع فرصة ثمينة للبدء بحل ازمة النازحين السوريين.
ووفقا للمعلومات التي يوردها المصدر فإن هذا التعطيل المتعمد لولوج الحلول لهذه الأزمة يقترن بتراجع او تقصير فاضح من المجتمع الدولي في مساعدة لبنان لمواجهة النتائج الكارثية الناجمة عن وجود ما لا يقل عن مليون ونصف المليون نازحا سوريا، عدا عمّا يقارب النصف مليون من النازحين الفلسطينيين.
وحسب المعلومات ايضا فإن تصعيد الرئيس الحريري الاخير والحملة على القيادة السورية التي رافقت فتح ملف النازحين مجددا منذ اسابيع ترك اثارا سيئة للغاية، وأثار استياء شديدا لدى السلطات السورية باعتبار انه لا يمثل نفسه او فريقه بل كونه رئيس الحكومة اللبنانية.
وينقل زوار دمشق ان هذا الإستياء السوري قد وصل الى مسامع كبار المسؤولين اللبنانيين، وان القيادة السورية لا يمكن ان تتجاهل مثل هذه المواقف التي تسيء للعلاقات بين البلدين.
ويضيف هؤلاء ان تصريح الرئيس عون الاخير غطى نسبيا على تصريحات الحريري ، لكنه في كل الاحوال لم يعالج الآثار التي تركتها هذه التصريحات لا سيما على صعيد التعاطي مع ملف النازحين.
وبحسب المعلومات ايضا فإن اعادة تحريك هذا الملف لاحقا يحتاج اولا الى تصويب الامور تجاه دمشق، وهذا يفترض معالجة ما خربته مواقف رئيس الحكومة وفريقه.