ترجّل القائد البطل في الحرس الجمهوري في الجيش العربي السوري اللواء عصام زهر الدين، وارتقى شهيداً إلى جانب كلّ الشهداء الأبطال الذين قضوا في معارك البطولة والشرف دفاعاً عن سورية وشعبها وثوابتها العروبية المقاومة. ترجّل القائد المقدام، بعدما أسهم في تحقيق الانتصارات الهامّة في معظم جبهات القتال ضدّ قوى الإرهاب الأميركية الصهيونية والسعودية والتركية الصنع والإعداد والتمويل والتدريب والتسليح، الذين استهدفوا إسقاط سورية في شباكهم وتحويلها إلى دولة تابعة عميلة لأميركا وكيان العدو الصهيوني. وكانت آخر الانتصارات التي شارك في صنعها الشهيد القائد في نجاحه في المساهمة في فكّ الحصار عن دير الزور وتحرير معظم المحافظة، بعد أن قاد معارك الصمود الأسطوري في المدينة ومطارها العسكري مع الضباط والجنود والأهالي لمدّة أربع سنوات من الحصار المفروض من قِبل تنظيم «داعش» الإرهابي، جرى خلالها صدّ كلّ هجماته للسيطرة على المطار والأجزاء الغربية من المدينة، وترجّل هذا القائد الفذّ قبل أن ينهي مهمّته في استكمال تحقيق تحرير ما تبقّى من محافظة دير الزور، ويشهد القضاء النهائي على تنظيم «داعش» في المنطقة. لكنّه أسّس بكفاحه المستمرّ ومشاركته في خوض المعارك كافّة لمرحلة اقتراب سورية من تحقيق النصر الكبير على أشرس حرب إرهابيّة استعماريّة.
سقط شهيداً وهو يقاتل في الميدان، يتقدّم صفوف جنوده الذين أحبّوه مقدّماً نموذجاً في النضال والتضحية والفداء، مسقطاً من أذهان الكثيرين الصورة السلبيّة التي رُسِمت عن القادة والضباط العسكريّين من أنّهم يعطون الأوامر لجنودهم وهم في الخلف، ولا يتواجدون مع الجنود في الصفوف الأمامية. لقد أثبت الشهيد القائد، هو وغيره من ضباط الجيش السوري، أنّهم لا يتردّدون في خوض القتال إلى جانب جنودهم، بل يسيرون أمامهم، فكان أن سقط شهيداً بلغم أرضيّ أثناء تقدّمه في معركة تحرير حويجة صكر في دير الزور. كان بإقدامه وشجاعته يرفع المعنويات، ويزيد من عزيمة الضباط والجنود في مواجهة هجمات «داعش» الشرسة. لهذا لم تسقط دير الزور كما كان يؤكّد طوال سنوات الحصار، بل إنّه بالصمود البطولي والأسطوري الذي جسّده هو وجنوده أسقط أسطورة «داعش»، وحطّم هذا الوحش الإرهابي وأنهى صورته التي كانت تخيف الناس بوحشيّتها وإجرامها.
هذا النموذج في القيادة والكفاح وخوض المعارك والاستعداد للبذل والعطاء، وصولاً إلى الاستشهاد، هو الذي يفسّر للعالم أجمع أحد أهمّ العوامل الأساسية التي مكّنت سورية من الصمود، ومن ثمّ الانتقال إلى مرحلة دحر الإرهاب وتحقيق الانتصارات عليه، هذا النموذج المتمثل بالروح القتاليّة العالية التي امتلكها الجيش السوري قيادةً وضباطاً وجنوداً، والتماسك والثبات في ميادين القتال، ورفض كلّ إغراء الأعداء للتخلّي عن أداء واجب الدفاع عن الوطن والشعب وسيادة واستقلال سورية، والإصرار على تحرير كلّ بقعة من أرضها.
فالجيش السوري أثبت على مدى ما يقارب السبع سنوات من الحرب الإرهابيّة، أنّه عصيّ على الانقسام والانهيار، وأنّه يملك العقيدة والإيمان بعدالة حربه الوطنيّة ضدّ جيوش الإرهابيين الذين جرت محاولة تصويرهم على أنّهم عبارة عن «ثوّار ومناضلين» في سبيل حرية الشعب السوري، لكن سرعان ما انكشف هؤلاء أمام صمود وبسالة ضباط وجنود الجيش السوري في ميادين القتال، فجاءت ممارساتهم الوحشيّة لتعرّي حقيقتهم وتكشف زيف شعاراتهم المستترة بثوب الدين زوراً وبهتاناً.
إنّ استشهاد القائد البطل والشجاع، والذي يملك كلّ صفات النبل والعطاء والتضحية والأخلاق والتواضع، لهو دليل ساطع على هذه الروح التي تسود صفوف الجيش السوري.
صحيح أنّ استشهاد اللواء زهر الدين قائداً فريداً في دوره الريادي في خوض غمار المعارك بشجاعة، دفاعاً عن سورية وشعبها الأبي لتبقى سورية دولة مستقلّة وقلب العروبة النابض دائماً بالمقاومة ضدّ قوى الاستعمار والصهيونية وأدواتهم الإرهابية والرجعية، يشكّل خسارة لسورية وجيشها في هذه اللحظة الحاسمة من حربها الوطنيّة ضدّ القوى الإرهابية، إلّا أنّ شهادته سوف تُسهم في زيادة إصرار الجيش السوري على مواصلة حربه الوطنيّة لسحق الإرهاب وتطهير الأرض السورية من رجسهم، ومن القوّات الأجنبية المحتلّة لأجزاء من المناطق السورية، فالشهيد القائد بات نموذجاً لرفاقه من ضباط وجنود يحفّزهم على إكمال مسيرته المشرقة المشرّفة، والتي جعلت منه بطلاً من أبطال سورية الذين كُتبت أسماؤهم في سجلّات تاريخ سورية الوطني، أمثال الشهيد القائد يوسف العظمة الذي أبى إلّا أن يتصدّى لقوّات الاحتلال الفرنسي الغازية لأرض سورية في ميسلون سنة 1920.
هكذا هم أبطال سورية، لن تنساهم الأجيال التي تعلّمت منهم معنى التضحية والعطاء دفاعاً عن الوطن والشعب والأرض. ولهذا سيبقى الشهيد القائد اللواء عصام زهر الدين خالداً في تاريخنا كما كلّ الشهداء القادة المقدامين المقاومين، الذين لم يتردّدوا في بذل دمائهم عندما احتاجت إليها بلادهم، وهذه هي قمّة النُّبل والعطاء. أليس «الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر»، كما وصفهم الرئيس الراحل حافظ الأسد!