لم يجفّ حبر البيان الذي تلاه رئيس الحكومة سعد الحريري يوم الثلاثاء الماضي بعد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون، والذي اعلن فيه تراجعه عن الاستقالة واعتماد سياسة النآي بالنفس وعدم التدخل بالشؤون العربية، حتى جاء اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، مع ما يمكن ان يحصل من تداعيات سلبية على استقرار دول منطقة الشرق الاوسط.
في هذا الاطار، تخوفت مصادر سياسية من ان تؤدي هذه التطورات الى عودة نغمة النأي بالنفس الى الأجواء السياسية اللبنانية، بالرغم من وجود اجماع لبناني رسمي على رفض القرار الاميركي، وصدور بيانات في هذا الاتجاه من قبل رؤساء الجمهوريّة والمجلس النيابي والحكومة.
وقالت هذه المصادر، قبل ان نعرف مدى التداعيات السلبية على دول المنطقة لقرار ترامب هذا، لاحت في الافق الانقسامات العربية والإقليمية وحتى الدولية حول كيفية مواجهة "غطرسة الرئيس الأميركي" الاخيرة.
وتشير المواقف الأولية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى انه يراهن على تعاطف دولي والإبقاء على سياسة التفاوض وعدم قطع "شعرة معاوية" مع ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وتوجّه عدد كبير من الدول العربية، وان ما سيصدر عن الاجتماع العربي يوم السبت المقبل سيكون في سياق الموقف الفلسطيني الرسمي.
في المقابل، لم تكن مواقف بعض القوى الفلسطينية مثل حركة حماس والجهاد الاسلامي، والفصائل والقوى الاسلامية الوطنية، وعواصم دول المواجهة مطابقة لعواصم دول الاعتدال العربي، بل دعت الى المقاومة المسلحة التي تعتبرها الرد الوحيد على القرار الاميركي. وتعتقد المصادر ان موقف لبنان الرسمي لن يكون مغايرا للموقف العربي الموحد الذي سيصدر عن الجامعة العربية، لا سيّما وان القرار الاميركي يعني العرب جميعا، ولا يؤثر مباشرة على لبنان.
ولفتت المصادر الى انه نظرًا للمواقف السابقة لحزب الله والذي يكرّره دائمًا الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله قد يشكل هذا الامر نقطة خلاف جديد حول تفسير النأي بالنفس بين حزب الله والمكونات الحكومية الاخرى.
واشارت المصادر الى ان التحركات الميدانية القادمة على صعيد الشارع اللبناني والتظاهرات التي ستعم لبنان، وبالتحديد تلك التي ستنطلق يوم الأحد المقبل باتجاه السفارة الأميركية في عوكر، ومع ما يمكن ان يرافقها من احتمال مواجهات بين القوى الامنية التي من أولى واجباتها حماية أمن السفارة، وبين المتظاهرين الذين ستكون تصرفاتهم او تصرفات بعضهم دليلا واضحا على المدى الذي سيأخذه اعتراض هؤلاء على اعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل.
وترى المصادر ان البداية يمكن ان تكون من تظاهرة الأحد، وما سيتبعها من خطوات تصعيدية من قبل القوى الفلسطينية واللبنانية التي ستعتمد المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة بدل الحوار والاعتماد على المواقف الدولية المؤيدة للعرب.
وبانتظار ما ستؤول اليه الاتصالات الدولية مع العواصم العربية لتبديد هواجسها من القرار الاميركي، وقدرة هكذا اتصالات على اقناع دول المواجهة، وفي مقدمها ايران وسوريا، والى حد ما العراق، عدم الاعتماد على المواجهات العسكرية، تبقى عملية النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية يوم الثلاثاء الماضي وجهة نظر حتى يثبت العكس.