على مدى أشهر طويلة شكّل تواجد المجموعات المسلحة في المقلب السوري من جبل الشيخ، لا سيما في بلدتي بيت جن ومزرعة بيت جن في الغوطة الغربية، تهديداً للأمن اللبناني، الأمر الذي دفع العديد من المرجعيات السياسية إلى التحذير من خطر تحول بلدة شبعا إلى "عرسال ثانية"، لا سيما مع تواجد أعداد كبيرة من النازحين السوريين فيها.
بالتزامن، لم يكن الجانب الإسرائيلي بعيداً عما يحصل داخل الأراضي السورية من تحركات في هذه الجهة، خصوصاً في ظل العلاقات التي نسجها مع المجموعات المسلحة العاملة هناك، وهي تنقسم إلى جزئين، بعضها ينتمي إلى جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، والبعض الآخر تابع لـ"الجيش السوري الحر"، وكان الخوف من أن تقدم إسرائيل على إستخدام هذه الورقة في أي لحظة، سواء كان الهدف تهديد الأمن السوري، كما حصل قبل فترة قليلة خلال الهجوم على بلدة حضر ذات الأغلبية الدرزية، أو تهديد الأمن اللبناني، لا سيما أن تحركات المسلحين كانت تحصل تحت أعين القوات الإسرائيلية المتواجدة في مرصد جبل الشيخ المطل على بلدة شبعا.
وفي حين نجحت مخابرات الجيش اللبناني بتوقيف عدد من السوريين في بلدة شبعا، قبل أيام، لانتمائهم إلى "النصرة"، والمشاركة في أعمال إرهابية، كما عثرت على مخزن بداخله كمية من الأسلحة والذخائر، يبدو أن هذا الخطر، الذي كان يكمن في إمكانية تأمين إسرائيل خط عبور للمسلحين نحو الإراضي اللبنانية في حال حصارهم من الجانبين السوري واللبناني، في طريقه إلى الإنتهاء، في ظل المعلومات عن قرب التوصل إلى إتفاق يؤمن خروج المسلحين من بيت جن ومزرعة بيت جن نحو إدلب مقابل تسليمهما إلى الجيش السوري، الذي أعلن عن وقف لإطلاق النار لمدة 48 ساعة كبادرة حسن نية قبل أن تعود العمليات العسكرية من جديد، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"النشرة"، وذلك بعد أشهر من السيطرة على مناطق محيطة بها مثل خان الشيخ، زاكية، كناكر.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الإتفاق، الذي جاء بعد أشهر طويلة من المعارك العسكرية، كان محل أخذ ورد بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة في الأيام الماضية، بسبب إصرار دمشق على رفض شمول التسوية العناصر التي كانت تتعامل مع الجانب الإسرائيلي، حيث كانت تطالب بتسليمهم لها، في حين كان هناك جزء من المسلحين يريد الخروج نحو منطقة درعا كونه من أبنائها لا إلى إدلب، الأمر الذي رُفض من الجيش السوري، بالإضافة إلى نقطة ثالثة كانت لا تزال عقبة متعلقة بالتلال الحمراء، التي كان يصر الجيش السوري على تسلمها بموجب الإتفاق.
وعلى الرغم من نفي مصادر المجموعات المسلحة قرب التوصل إلى الإتفاق، تكشف المصادر نفسها أن الأجواء إيجابية، خصوصاً بعد أن وافق المسلحون على معظم الشروط الموضوعة من الجانب السوري، في حين أن أغلب الذين كانوا يتواصلون مع الجانب الإسرائيلي فروا باتجاه المراصد التابعة له، بينما قرر قسم آخر الإنتقال إلى بلدة جباتا الخشب التي لا تزال تحت سيطرتهم، مشيرة إلى أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة على هذا الصعيد، مؤكدة أن المعارك العسكرية ستكون هي الحل من جديد في حال سقط الإتفاق، وهي ستقود إلى النتيجة نفسها، موضحة أن عودة الإشتباكات من جديد في الساعات الماضية تعود إلى إصرار بعض المسلحين على الإنتقال إلى درعا.
في هذا السياق، تؤكد مصادر لبنانية مطلعة، عبر "النشرة"، أن هذه التسوية، في حال أبرمت بشكل نهائي، سيكون لها تداعيات إيجابية على الجانب اللبناني بشكل كبير، خصوصاً أنها ستساهم، إلى جانب إنهاء الخطر الأمني الذي تشكله المجموعات المسلحة كونها المنطقة الأخيرة التي يسيطر عليها المسلحون على الحدود اللبنانية، في معالجة أزمة النازحين السوريين في بلدة شبعا، حيث ستكون البداية نحو عودة هؤلاء إلى بلداتهم، خصوصاً أن القسم الأكبر منهم من أبناء بيت جن، وتضيف: "هؤلاء كانوا يشكلون في الفترة الأخيرة عبئاً كبيراً على بلدة شبعا".
على صعيد متصل، ترى هذه المصادر أن هذه التسوية ستمثل ضربة جديدة لتل أبيب، كونها كانت تستخدم هؤلاء في مشروعها نحو إقامة حزام أمني في القنيطرة، وكان من الممكن أن تستخدمها في الجانب اللبناني لتحقيق عدة أهداف، أبرزها إشغال "حزب الله" في قرى العرقوب، معتبرة أن الضرر على الجانب الإسرائيلي سيكون أكبر من ذلك الذي سيلحق بالجماعات المسلحة، التي ستكون أمام وضع حرج جداً.
في المحصلة، خلال ساعات من الممكن أن يتم إخلاء آخر المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة على الحدود اللبنانية-السورية، سواء كان ذلك من خلال العودة إلى التسوية أو عبر الإستمرار في العمليات العسكرية.