بقرار سوري اتُخذ عن سبق تصميم، وضعت الدفاعات الجوية السورية الطائرات «الإسرائيلية» في مرمى صواريخها فأصابت عدداً منها، وأسقطت واحدة من الجيل الأكثر تطوّراً، ما شكّل تحوّلاً نوعياً في مسار المواجهة، بعد أنّ عزّز الجيش السوري قدراته الدفاعية رغم انهماكه على الجبهات تصدّياً للحرب الكونية الإرهابية.
هذا التطوّر النوعي، بالغ الأهمية، وهو بالتأكيد إنجاز سوري بامتياز، يُضاف إلى سلسلة الإنجازات التي حققها الجيش السوري ضدّ الإرهاب. وهذه الإنجازات شهد بها حلفاء سورية، لا سيما إيران وروسيا، وقد أكّد المسؤولون الروس والإيرانيون في أكثر من مناسبة، أنّ ما يقدّمونه من دعم ومؤازرة لسورية، ليس كافياً لتحقيق أيّ إنجاز، لولا امتلاك الدولة السورية، رئيساً وقيادة وجيشاً وشعباً، إرادة مصمّمة على مواجهة الإرهاب وإسقاط مشاريع رعاته.
الرواية «الإسرائيلية» حول إسقاط الـ «أف 16» تتعمّد تحميل المسؤولية لأطراف غير سورية، للتعمية على الحقيقة ولإيهام المستوطنين الصهاينة بأنها لا تزال على قدر كبير من التفوّق!
أمّا الرواية الحقيقية، فهي أنّ القرار السوري بالتصدّي للطائرات «الإسرائيلية» المعادية، نافذ منذ فترة طويلة، وقد سبق للمنظومة الصاروخية السورية أن اعترضت صواريخ «إسرائيلية» وتصدّت لطائرات معادية، غير أنّ ما حدث في العاشر من شباط 2018، جاء حاسماً ومزلزلاً… فقد لاحقت الصواريخ السورية طائرات العدو إلى مدى فاجأ الصهاينة، وهذا المدى الذي وصلته الصواريخ، وإسقاط طائرة الـ «أف 16»، يضع كيان العدو في مرمى النيران السورية.
إنّ ما حققته سورية، من ترجمة قرارها بالتصدي للعدوانية الصهيونية، يُعدّ نقلة نوعية استراتيجية. فهي وضعت «قواعد اشتباك» باتت سارية المفعول، سواء قبل العدو بذلك أم لم يقبل، كما أنها أوصلت رسالة واضحة أكدت من خلالها فشل أهداف الحرب الكونية التي استهدفت إضعاف الدولة السورية وإسقاطها من معادلتي المنطقة والإقليم. وفحوى الرسالة أنه في ظلّ الحرب الشعواء على سورية، لم تتوقف المؤسسات السورية عن العمل والتطوير والتحديث، وأنّ المؤسسة العسكرية على وجه التحديد، نجحت في إعادة ترميم قدراتها الدفاعية ومنظوماتها الصاروخية، بعد أن تمّ استهداف هذه القدرات والمنظومات على مدى سنوات من قبل المجموعات الإرهابية بدعم من «إسرائيل» وأميركا وحلفائهما لا سيما بعض الأنظمة العربية المتأسرلة.
ما هو مؤكد أنّ سورية صاغت رداً من العيار الثقيل، وهذا الردّ أثقل كاهل العدو الصهيوني الذي بات مقيّداً وممنوعاً من العربدة والعدوان وتجاوز خطوط الصدّ، على غرار ما كان يقوم به قبل العاشر من شباط 2018، كما أنّ العدو بات مثقلاً بضغط ما يُسمّى «الجبهة الداخلية» التي أصبحت أكثر هشاشة وتصدّعاً، نتيجة الخوف والارتباك والهلع الذي أصاب المستوطنين الصهاينة، ولسان حال هؤلاء أنّهم لن ينتظروا «فينوغراد» جديدة ليعرفوا أنهم في مأزق حقيقي، وأنّ دولتهم المزعومة عاجزة عن توفير الحماية لهم، وأنّ كلّ ما يصدر من مواقف «إسرائيلية» مرتبكة ومتناقضة حول ما حصل، لا يلغي حقيقة أنّ الصواريخ السورية، أنتجت واقعاً جديداً تغيّرت معه أمور كثيرة، ومعادلات جديدة طرأت، وقواعد اشتباك رسمت وترسّخت، وأنّ أسطورة التفوّق الصهيوني في الجو، سقطت بسقوط الـ «أف 16»، ولذلك فإنّ «إسرائيل» تحتاج إلى وقت كبير للخروج من الصدمة واستيعاب هذا السقوط المدوّي، ولإعادة ترميم «تفوّقها الجوي»، لكن هذا الترميم يبدو مستحيلاً في ظلّ تنامي القدرات السورية وقدرات قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.