لا «ينعَس» وليد البخاري. تماماً كما المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة سعد الحريري. يُسارع الاثنان لتأكيد متانة العلاقة، كلّما وقع أحدهما في مطبّ العلاقة غير المتينة. شأنهما شأن بعض وسائل الإعلام اللبنانية المتلفزة التي بات هواؤها «مسخّراً» للقائم بالأعمال السعودي في لبنان.
بالأمس سألت مراسلة تلفزيون الجديد على سبيل المثال الزميلة راشيل كرم، البخاري عمّا إذا كانت هناك «محاولات من قبل البعض لدق إسفين بين رئيس الحكومة والمملكة»، ومن ثم «نصحته» برفع دعوى على وسائل الإعلام إن كان ما ينشر شائعات (على حدّ قول البخاري) «بما إنو بلبنان هناك حرية إعلام».
لكن الحقيقة أن لا البخاري ولا قناة الجديد يستطيعان طمس حقيقة ما جرى في موضوع تأشيرات الحج إلى مكّة المكرمة، وبالتالي الترويج لردّ القائم بالأعمال. الحقيقة أن «السفارة السعودية حجبت جزءاً من الكوتا المخصصة لبعض الشخصيات والجهات، تحديداً تيار المُستقبل ودار الفتوى»!
البخاري أمس قال إن «رئيس الحكومة المكلف حصل على 2000 تأشيرة للحج، وأُضيفَت 3000 تأشيرة تم استلامها كاملة بموجب اتفاقية وورقة عمل»، مشيراً إلى أنه «حصل على كل ما طلبه». وأوضح أن «المملكة لا تتلقى مقابلاً مادياً عن التأشيرات». علماً أن السفارة، بحسب جهات متابعة، «فرضت على كل الذين فازوا بتأشيرات الدرجة الأولى عبر حملات تابعة للسفارة، دفع مبلغ وقدره 1700دولار (بالحد الأدنى). وهذا المبلغ يدفع حتى لو رفض الحجيج السفر في هذه الحملات لكونهم حجزوا في الدرجة الأولى بمبالغ تصل إلى ما بين 10 إلى 15 ألف دولار.
وبعد الضجّة التي سبّبها القرار السعودي بحجب جزء من التأشيرات عن الحريري، أعيد فتح الباب أمام منح نحو 3000 تأشيرة جديدة إلى موسم الحج. لكن هذا الإجراء لم يحلّ مشكلة التأشيرات هذه السنة، وهي مشكلة، وصفتها مصادر في دار الفتوى بأنها «دراماتيكية، وتظهر أن الحسابات السياسية باتت في صلب هذا الملف». وتقول المصادر إن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «كان قد طالب بكوتا من 1000 تأشيرة، لكن السفارة أفرجت له عن 150 فقط»، الأمر الذي «دفع دريان إلى رفضها لأنه لا يستطيع أن يدخل في مشاكل مع الناس في كل لبنان». لاحقاً، بعد أن فتح باب الحصول على تأشيرات إضافية، أعطي المفتي دريان ما يقارب 300 تأشيرة. وقالت المصادر إن «السيستم في السفارة أُعيد فتحه أمس لتدوين معلومات الباسبورات الجديدة»، لكن السفارة قررت إحراج الجميع «بفرض دفع مبلغ ألف دولار مقابل كل تأشيرة يذهب إلى صندوق وزارة الحج في السعودية»!
وقد علمت «الأخبار» أن إمام مسجد الفاروق الشيخ أحمد البابا، بعث برسالة إلى عدد من مشايخ دار الفتوى، أكد فيها أن «السفارة أعادت لنا جوازات السفر من دون تأشيرة عبر مكتب السيد محيي الدين في رئاسة الحكومة». ولفت البابا إلى أنه «طُلب إلينا أن نتوجه إلى معراب لطلب التأشيرة»، قائلاً: «هل يُمكن العلماء أن يطلبوا التأشيرة بهذا الشكل». وأضاف: «البعض أيضاً طلب منا أن ننزل للاعتصام أمام أبواب السفارة السعودية لعلهم يشفقون على المشايخ، فهل يجوز أن ننزل بعمائمنا إلى الطرقات؟».
التصرف السعودي «غير المسبوق»، بحسب المعنيين بحملات الحج، صعّب الأمور، بدل تسهيلها، فقد مُدِّدَت رحلات السفر الى الحج حتى يوم السبت المقبل. وهذا الأمر سيسبب إرباكاً للحجيج والحملات والسلطات السعودية المعنية بالترتيبات الإدارية، ولا سيما أن «المسافرين يضطرون إلى الانتظار نحو عشر ساعات في مطار جدّة قبل الانتقال إلى مكّة المكرمة».