بعد فوز رئيس حزب "الليكود" بنيامين نتانياهو، بالعدد الأكبر من المقاعد في الإنتخابات التشريعيّة المُبكرة، ومع توقّع توجّهه بالتالي إلى تشكيل حكومة إئتلافيّة جديدة مع أحزاب يمينيّة ومُتشدّدة، إرتفعت إحتمالات إنزلاق المنطقة إلى مُواجهة عسكريّة، خاصة وأنّ الضُغوط الأميركيّة التصاعديّة على كلّ من إيران و"حزب الله" ستبلغ ذروتها خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، ما قد يدفع "محور المُقاومة والمُمانعة" إلى إعادة طرح خيارات الردّ الأمني جدّيًا على الطاولة. وعلى الرغم من أنّ الحملة الإعلاميّة الأميركيّة-الإسرائيلية الكثيفة بشأن مصانع صواريخ إيرانيّة في لبنان(1)، لا تزال حتى تاريخه تدخل في سياق الضُغوط المعنويّة على لبنان، فإنّ أي إستهداف جوّي إسرائيلي لأي موقع في لبنان مُستقبلاً، سيدفع "حزب الله" مُضطرًا إلى الردّ. فهل هذا "السيناريو" وارد في المُستقبل القريب؟.
بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، وبعد أن كان من المُمكن أن تتسبّب أي هفوة أمنيّة غير مَضمونة النتائج، بضربة قاضية لحزب "الليكود" ولأحزاب اليمين خلال الإنتخابات، تبدّلت المُعطيات حاليًا، بعد أن صارت نتائج المُنافسة الإنتخابيّة خلف هذه القوى، وبعد أن باتت فرص عودة أحزاب اليمين المُتشدّدة، ونتانياهو شخصيًا، إلى الحُكم مَسألة وقت، وتحديدًا بمُجرّد نُضوج تفاصيل التفاهم الإئتلافي في ما بينها. وليس بسرّ أنّ البرامج الإنتخابيّة التي سمحت لهذه الأحزاب والقوى الإسرائيليّة بالفوز بالأغلبيّة العدديّة في "الكنيست" إرتكزت على تبنّي الأفكار المُتشددة، وعلى تعهّدات بضمّ الأراضي المُحتلّة، وعلى وُعود بتفعيل عمليات بناء المُستوطنات. إشارة إلى أنّ أحزاب اليمين في إسرائيل مُقتنعة بأنّ هذه المرحلة بالتحديد، هي الأفضل لفرض وقائع ميدانيّة يصعب تغييرها في المُستقبل، لأسباب عدّة، أبرزها:
أوّلاً: وُجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحُكم في الولايات المتحدة الأميركيّة، مع ما يؤمّنه من غطاء سياسي أميركي مُهمّ لأعمال التوسّع والضمّ، خاصة وأنّه يطمح إلى فرض تسوية للقضيّة الفلسطينيّة من منظار يميل بقُوّة لصالح إسرائيل.
ثانيًا: وُجود نقمة عربيّة واسعة على إيران، وتعامل العديد من الدول العربيّة مع إيران وكأنّها الخطر الأكبر عليها، وتفاقم الصراع السياسي والأمني غير المباشر بين الطرفين في أكثر من بقعة عربيّة.
ثالثًا: تشرذم الدول العربيّة والخليجيّة والإقليميّة (ومنها تركيا)، وإنقسامها بعضها على بعض ضُمن تكتلات صغيرة، تتنافس وتتصارع في ما بينها، وحتى أنّها تتقاتل في أكثر من ساحة.
رابعًا: إنقسام الجانب الفلسطيني، وضُعف قُدرة حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي" على مواجهة مشاريع الضمّ والتوسّع داخل الأراضي الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة.
خامسًا: عجز الجانب السُوري عن الوُقوف بوجه مشاريع بناء المزيد من المُستوطنات في الجولان، وإكتفاء النظام السُوري بحفظ وُجوده في السُلطة.
سادسًا: غرق إيران والجماعات المُسلّحة التابعة لها والمَدعومة من قبلها في المنطقة، في أتون العُقوبات الإقتصاديّة والضُغوط السياسيّة المُتصاعدة.
لكن وعلى الرغم من خُطورة القيام بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك الإعتراف بضمّ الجولان إلى هذه الأخيرة، وعلى الرغم أيضًا من خُطورة بناء المزيد من المُستوطنات في الضفة الغربيّة وقطع الطريق على أي إعادة لهذه الأراضي إلى الجانب الفلسطيني مُستقبلاً، وعلى الرغم كذلك الأمر من خُطورة إستمرار الضربات العسكريّة في العمق السُوري ضُدّ أهداف عسكريّة تابعة لمحور "المُقاومة والمُمانعة"، فإنّ لبنان قادر على أن يبقى بمنأى عن مخاطر التوتّر الإقليمي المُتصاعد، والذي يُتوقّع أن يبلغ ذروته في المُستقبل القريب. والحالة الوحيدة التي يُمكن أن تجرّ "حزب الله" إلى الدُخول في مُواجهة عسكريّة مُباشرة مع الجيش الإسرائيلي، تتمثّل بقيام إسرائيل بضرب أهداف في العمق اللبناني، بحجّة منع "الحزب" من إنشاء مصانع لتجميع وحتى لإنتاج الصواريخ أو من الإستحواذ على صواريخ دقيقة وبعيدة المدى. ففي هذه الحال، لن يكون بمقدار "حزب الله" سوى الردّ بضرب أهداف في العمق الإسرائيلي، لأنّ أي سكوت عن مثل هذا الكسر غير المسبوق للخُطوط الحمراء منذ حرب تمّوز في العام 2006، يعني الرُضوخ لمُعادلات فرضتها إسرائيل بالقُوّة، وفشل النظام السُوري في وقفها، على الرغم من تجربته أكثر من ردّ دفاعي محدود.
في الخُلاصة، إنّ الوضع اللبناني لا يحتمل أي حرب مُشابهة لتلك التي حصلت في العام 2006، و"حزب الله" يُدرك أكثر من سواه حجم الضُغوط الإقتصاديّة والمالية والمعيشيّة التي يتعرّض لها لبنان واللبنانيّين حاليًا، لكنّ قيام إسرائيل بكسر قواعد اللعبة الأمنيّة المضبوطة منذ مدّة زمنيّة لا بأس بها، سيدفعه مُرغمًا إلى الردّ من دون التوقّف عند أي إعتبار آخر، حفاظًا على هالة الإنتصار التي بنى تاريخه الحديث عليها. وعندها ستكون الأمور مفتوحة في المنطقة على كل الإحتمالات الخطيرة التي يُمكن أن تخطر في البال!.
(1) كان آخرها كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن أنّ إيران قد تلجأ إلى وضع أنظمة صواريخ داخل لبنان، وذلك بعد كلام نتنياهو قبل مُدّة عن مصانع صواريخ إيرانيّة أقامها "حزب الله" تحت الأرض في عدد من المناطق اللبنانيّة المأهولة.