يعلّق الكثير من المراقبين اهتماماً خاصاً بالزيارة التي ينوي الرئيس الاميركي دونالد ترامب القيام بها الى بريطانيا والتي تم ارجاؤها اكثر من مرة، الى ان حددت بشكل رسمي بداية الشهر المقبل. ولكن هذه الزيارة باتت مهددة ايضاً، ليس بفعل المتظاهرين الغاضبين الرافضين لها والذين يتحضرون منذ وقت طويل لاستقبال ترامب بما لا يرغب بمشاهدته من مظاهر الاحتجاج والرفض لسياسته، انما من خلال رئيسة الوزراء البريطانية نفسها تريزا ماي والتي توقع البريطانيون ان تعمد الى تقديم استقالتها اليوم.
ثلاث سنوات مرّت لم تستطع فيها ماي من اثبات نفسها، فكانت في موقع السلطة دون القدرة على ممارستها، وجرّت على نفسها الخيبة تلو الاخرى ان على الصعيد السياسي او على الصعيد الاجتماعي، ولكن العقدة الاساس والتي لا يمكن اغفالها، كانت قضية "البريكست" التي شكّلت الشوكة في خاصرة ماي. بكل الاحوال، بات من المسلّم به ان رئيسة الوزراء البريطانية لم تعد في موقع القوة، وهذا يعني ان التطورات التي ستشهدها بريطانيا ستنعكس حتماً على الزيارة المقررة لترامب الى هذا البلد، اذ من الممكن جداً ان يعمد المسؤولون في البلدين الى ارجاء الزيارة مجدداً، ريثما تستقر الاوضاع في المملكة المتحدة، والا سيكون من شأن الاستمرار بالبرنامج الموضوع، تكدّس النتائج السلبيّة فوق بعضها منذ وصول الرئيس الاميركي الى المطار وحتى مغادرته.
من وجهة النظر الاميركية، فقد اعتاد ترامب على المعارضة ان في بلاده او خارجها، وهو لا يجد حرجاً في مواجهة المظاهر الرافضة لافكاره وطروحاته، وبالتالي فإنّ الزيارة بحد ذاتها تحمل معانٍ ايجابية كونها تأتي الى قلب اوروبا التي غالباً ما تعارض ترامب، كما يمكن الاعتماد عليها وعلى المحادثات التي سيجريها هناك لاستمالة المسؤولين الحاليين والمستقبليين في تبنّي وجهات نظر الادارة الاميركيّة الحاليّة حول العديد من القضايا بما يؤمّن احداث شرخ في الموقف الاوروبي عموماً وفي مواقف الدول الكبرى فيها بشكل خاص.
ويعتبر الاميركيون انّ المظاهر المعارضة ستكون مرحليّة فقط، وسينتهي مفعلوها مع انتهاء الزيارة، فيما النتائج التي يمكن تحقيقها على مستوى تغيير الموقف البريطاني من مواضيع سياسية حساسة، قد تدوم لوقت طويل. اضافة الى ذلك، سيكون من المفيد للرئيس الاميركي الراغب في تجديد الولاية، ان يبدأ بحشد مواقف ايجابيّة خارج بلاده (ولو انه لم يضمن الحصول على تأييد كامل في الولايات المتحدة)، ولا شك ان الاطلالة الاوروبية المتزامنة مع مساعي تمرير "صفقة القرن" ستكون اضافة مهمّة لإظهار مدى تقبّل العالم لاستمرار ترامب في سدّة الرئاسة لولاية ثانية.
أمّا من وجهة النظر البريطانيّة، فالامور لا تحتمل التأويل والزيارة كلّها تأتي في وقت غير ملائم للبريطانيين الذين يعارضون بغالبيّتهم سياسة ترامب، اضافة الى اهتمامهم بمشاكلهم الّتي يتخبّطون فيها والتي لا قدرة للولايات المتحدة على مساعدتهم على حلها، كونها مشاكل داخلية تتعلق بـ"مصيبتهم" مع "البريكست" من جهة وطريقة تعاطيهم مع الاوضاع الاقتصادية الصعبة والتحديات السياسية التي فرضت نفسها عليهم في الفترة الاخيرة. لذلك، يرى البريطانيون انه من اللائق ليس فقط ارجاء الزيارة، بل من الافضل الغاؤها لانهم لا يحتاجون الى اسباب اضافية لاتساع هوة الانقسام بينهم، فيما يجدون في مشكلة تريزا ماي الحالية، بارقة امل في توحيد الرؤية حول المسائل الخلافية.
وبالتالي، يمكن القول ان ماي نفسها هي التي تهدد زيارة ترامب الى بريطانيا، من خلال سياستها التي انتهجتها والتي ابعدتها عن البريطانيين، بمن فيهم الذين كانوا يؤيدونها حتى الامس القريب وفي مقدمهم زعيمة الاغلبية في مجلس العموم اندريا ليندسوم.