«بنك الأسئلة» هو أحد أجهزة اللجان الفاحصة في الامتحانات الرسمية، يحدد هيكليته وآلية عمله بقرار يصدر عن المدير العام للوزارة، فيما يوقّع على التعويضات وزير التربية منفرداً، من دون حاجة إلى توقيع وزير المال على غرار باقي تعويضات الامتحانات. هذا الأمر، إلى جانب معايير اختيار أعضاء اللجان ووجود مرجعيتين للبنك، أثار الشبهات لدى التفتيش التربوي في شأن شفافية الامتحانات.
حتى عام 2015، لم يكن «بنك الأسئلة» في الامتحانات الرسمية قد تقونن بعد، رغم مرور نحو 14 عاماً آنذاك على اعتماده والطلب من أساتذة الشهادات ضخ المسابقات فيه. لم يرد «البنك» في أي من النصوص السابقة التي تنظم الامتحانات لجهة آلية عمله وضوابطه وتعويضاته، وبالتالي ليس معلوماً كيف كان يعمل، على الأقل بالنسبة إلى المفتشية العامة التربوية. إلا أنّ المرسوم 1992 بتاريخ 7/5/2015 أضاف بنداً ثامناً على المادة 4 من المرسوم 5697/2001 (نظام الامتحانات الرسمية)، لتصبح لجنة بنك الأسئلة إحدى مكونات جهاز اللجان الفاحصة. وقضى هذا البند بأن يكون المدير العام للتربية رئيساً للجنة بنك الأسئلة. وتعنى هذه اللجنة باعتماد نماذج الأسئلة والمسابقات للامتحانات الرسمية (من بين مئات المسابقات التي يعدّها أساتذة ومعلمون من كل لبنان)، ومن ثم تحمّل الأسئلة والمسابقات على برنامج الكتروني وفق شروط وآلية تحفظ سريتها، فيما يحدد المدير العام الهيكلية التنظيمية للجنة وآلية عملها بقرار يصدر عنه، على أن تحدد التعويضات لأعضاء هذه اللجنة بقرار يصدر عن وزير التربية.
هو عمل راقٍ ويوفر الكثير من الجهد ليلة الامتحان، كما تقول لجنة الامتحانات في المفتشية العامة التربوية، لأنّه يقطع الطريق على أي امكانية للإيحاء بأسئلة المسابقات، شرط أن يتمتع هذا العمل بدرجة قصوى من السرية والتكتم على النماذج التي تدخل بنك الأسئلة. لكن هذا الأمر هو موضع شك، بحسب اللجنة التي أعدت تقريراً عن هيكلية بنك الأسئلة وعمله وتعويضات لجنته وسألت عن ضوابطه في امتحانات الشهادة المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الأربعة للعام الدراسي الأخير 2017 - 2018.
ازدواجية في مهمات أعضاء البنك
بنتيجة الاطلاع على لوائح أسماء مقرّري المواد ونوابهم البالغ عددهم 20 في الشهادة المتوسطة و27 في شهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة، يتبيّن للجنة الامتحانات أنّ 12 من هؤلاء في الشهادة المتوسطة و 13 في الثانوية العامة، يجمعون بين المهام الآتية: مقرّر أو نائب مقرّر، وأستاذ أو مدرّس مكلّف مهمة تربوية في الإرشاد والتوجيه، وعضو في لجنة بنك الأسئلة، ما يطرح جدياً مسألتين أساسيتين متعلقتين بشفافية الامتحانات الرسمية ونزاهتها: كيف نضمن سرية مشاريع الأسئلة الواردة إلى «البنك» وعدم استغلال المشاركة في هذه المهام مجتمعة لأغراض خاصة؟ ولماذا لا توّزع هذه المهام بحيث يسهم توزيعها في تكوين مزيد من الخبرات والكوادر التربوية الضرورية لأعمال الامتحانات الرسمية؟ وهل فرغت الثانويات الرسمية من الأساتذة الأكفّاء لتترك هذه المهمة حكرا على الأساتذة المكلّفين مهام تربوية في الإرشاد والتوجيه مثلاً، والذين تم تكليف بعضهم بصورة لا تراعي المعايير الموضوعية والقانونية؟
تقاضى المدير العام عن بنك الأسئلة 21 مليون ليرة بفارق 12 مليوناً عما يستحقه
وهنا رأت لجنة الامتحانات في المفتشية العامة التربوية، في تقريرها، أن حصر تسمية معظم أعضاء اللجان في بنك الأسئلة بالأساتذة والمعلمين المكلفين مهام تربوية يتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص، ويضع هذه التسمية في إطار الخدمات التي لا تراعي الكفاءة، وبالتالي لن تنتج الجودة والشفافية المطلوبتين، ما يستدعي إعادة النظر في تسمية الأعضاء واعتماد أسس واضحة في اختيار لجان المواد في بنك الأسئلة من أجل مقتضيات المصلحة العامة.
مرجعية بنك الأسئلة
التقرير استغرب أن يكلّف المدير العام مديرة الارشاد والتوجيه مهام مقررة لجنة بنك الأسئلة لهذا العام بدلاً من رئيسة دائرة الامتحانات، في حين لم تشر أي من المراسيم والقرارات والمذكرات إلى دور لمديرية الإرشاد والتوجيه أو مديرها أو الملحقين بها في الامتحانات الرسمية لا من قريب ولا من بعيد، ما يستدعي التساؤل حول علاقة المديرية ببنك الأسئلة، وهو ما يعتبر، بحسب المفتشية العامة التربوية، خرقاً للسرية المطلوبة في المرسوم 1992 /2015.
ورأت اللجنة أن اعتماد مركزين اثنين لوضع مشاريع الأسئلة هما: دائرة الامتحانات ومديرية الإرشاد والتوجيه (المادة 3 من المرسوم 1992 /2015) من شأنه تبديد المسؤولية عن سرية هذه المشاريع، وهو لم يأت في سياق اقتضته المصلحة العامة أو الضرورة، إنما جاء مصطنعاً ومناقضاً للشروط التي تحفظ السرية المطلوبة والمنصوص عتها صراحة في الفقرة 8 المضافة إلى المادة 4 من المرسوم 5697 . وهنا دعا التقرير إلى «إعادة النظر في الأمر لجهة الاكتفاء بدائرة الامتحانات وحذف مركز الارشاد والتوجيه من هذا المسرح».
المبالغة في التعويضات
المفارقة في موضوع تعويضات بنك الأسئلة، أنّ أعضاء لجنة بنك الأسئلة الذين تحدثنا إلى بعضهم لا يعلمون بوجود القرار 1078/م/2016 الذي ينظم التعويضات على الشكل الآتي: 30% لواضع المسابقة، 5% لرئيس لجنة بنك الأسئلة أي المدير العام للتربية، 3.5% لمقرر لجنة بنك الأسئلة (رئيسة دائرة الامتحانات الرسمية سابقاً ومديرة الإرشاد والتوجيه حالياً)، 2.5% للمكلّف بأعمال الطباعة والتصميم، 2.5% للمكلّف بالترجمة،1% للمكلّف بالتصحيح اللغوي، 1% للمكلّف بالأعمال اللوجستية، و54.5% لباقي أعضاء اللجنة.
ويراوح أجر المسابقة في الشهادة المتوسطة بين 450 ألف ليرة لمادة التاريخ و900 ليرة للرياضيات، وفي الثانوية العامة تبلغ تسعيرة مسابقة التاريخ بكل الشهادات والرياضيات للعلوم العامة مليون و800 ألف ليرة.
ومن الأسئلة المطروحة: ما هو عدد المسابقات المسموح للشخص الواحد أن ينجزها ويعتمدها بنك الأسئلة، خصوصاً أن البنك اعتمد في إحدى اللجان ثماني مسابقات لشخص واحد خلال 4 سنوات؟ ومن تختار اللجنة المعتمدة المسابقة أم تفرض عليها؟
وفي ما يتعلق بامتحانات العام الماضي، صدر بتاريخ 21/5/2018، القرار 72 لتحديد الهيكلية التنظيمية ومهام وآلية عمل لجنة بنك الأسئلة، وبتاريخ 29/5/2018، بدأت الامتحانات الرسمية للدورة العادية، أي أنّ الفارق الزمني بين صدور القرار والمباشرة بالامتحانات بلغ 7 أيام فقط. وقد صرفت تعويضات عن الأعمال المنجزة خلال هذه الفترة قدرها 184 مليون ليرة لبنانية و15 ألف ليرة. وكان مفترضاً أن توزع الأنصبة على رئيس اللجنة ومقرّرها وأعضائها وفقا للنسب المنصوص عنها في القرار، أي أنّ مستحقات المدير العام تبلغ 9 ملايين و200 ألف في حين أنه تقاضى فعلياً، بحسب الجداول، 21 مليوناً و369 ألف ليرة، بفارق نحو 12 مليونا. وفيما يستحق لمقررة لجنة بنك الأسئلة 6 ملايين و440 ألف ليرة، فقد تقاضت 14 مليوناً و958 ألف ليرة، بفارق 8 ملايين و517 ألفاً، ما يقتضي التحقيق لتفسير هذا الأمر، بحسب التقرير الذي سأل أيضاً عن مدى مواءمة هذا التعويض للفترة الزمنية الضيقة وللعمل المنجز خلالها.
وبدا لافتاَ للجنة الامتحانات في المفتشية العامة التربوية، حصر مرجعية تعويضات لجنة بنك الأسئلة بوزير التربية مندون مشاركة وزير المال كما هي بالنسبة لجميع العاملين في الامتحانات الرسمية، ما يخلق، بحسب التقرير، «ازدواجية غير مبررة وغير مفهومة ولا تقتضيها الضرورة في مرسوم واحد: المادة 4 والمادة 22 من المرسوم 5697 /2001 ، ما يقتضي إعادة النظر في هذا الجانب والإبقاء على نص المادة 22 وحذف كل ما يتعارض معها في المرسوم نفسه».