لم ينجح هادي حبيش النَّائب في مُؤْتمره الصِّحافيِّ قبل ظُهر الأَحد، في محو الصُّورة "الميليشياويَّة" الَّتي ارتسمت عنه في مُخيِّلة اللُّبنانيِّين، بعد تهجُّمه أَخيرًا على النَّائب العامِّ الاستئنافيِّ في جبل لبنان القاضية غادة عون، وفي "عُقر محكمتها"، ولا كانت "مُرافعة" حبيش المُحامي موفَّقةً في مُؤْتمره المذكور!...
كما ولم ينسَ اللُّبنانيُّون هَوْل ما جرى أَمام منزل القاضية عون، بغضِّ النَّظر عن الطَّريقة الَّتي تتعامل فيها مع ملفِّ رئيسة هيئة إِدارة السَّير هدى سلُّوم. بيد أَنَّ تعاطي عون "في شكلٍ ميليشياويٍّ مع المُحامين والقُضاة والمُواطنين" –على ذمَّة حبيش– قد يُقابله تهجُّم الأَخير على القاضية في مكتبها، وهو بدوره عملٌ ميليشياويٌّ، إِذ لا يحقُّ لمُحامٍ أَنْ يقتحم مكتب قاضٍ، ليأْمُرها بـ"الذَّهاب إِلى التَّفتيش القضائيِّ"!.
ولقد كانت حجَّة حبيش ضعيفةً في مُؤْتمره الصِّحافيِّ، حين أَقام مُقارنة بينه (24 سنة من مُمارسة المُحاماة وهذا الإِشكال الأَوَّل الَّذي حدث معه، على حدِّ قوله)، والقاضية عون (الَّتي يرى حبيش أَنَّ سجلَّها حافلٌ بالإِشكالات...). بيد أَنَّ ذلك لا يُعدُّ معيارًا للمُفاضلة بين قاضٍ ومحامٍ، فقد تكون "المافيات" مثلاً، على عداءٍ مُزمنٍ مع قاضٍ عادلٍ، وقد تُحضِّر العصابات للقاضي النَّزيه المَكائد وصولاً إِلى التَّصفية الجسديَّة، والجميع يذكُر عندنا، جريمة اغتيال القُضاة الأَربعة، تحت قوس العدالة في محكمة صيدا... وهنا قد تكون من المُفيد مُجرَّد الإِشارة إِلى المَثَل من دون التَّعميم، ولمُجرَّد الاكتفاء بالفرضيَّة المُمكن حُصولُها، والَّتي ليس مِن الضَّروريِّ حُصولُها فعلاً.
وفي هذا السِّياق، فقد أَكَّدت عون أَنَّ النَّائب العامّ التَّمييزيّ القاضي غسَّان عويدات "قد أَوعز بِمُقاطعتها"، في إِطار وضع يد السِّياسيِّين على القضاء، بعد ادِّعائها على رئيس الحُكومة الأَسبق النَّائب نجيب ميقاتي، و"بنك عودة"، بجرائمَ منصوصٍ عليها في قانون الإِثراء غير المشروع. وبالتَّالي فقد جاءت المُقاطعة –ودائمًا بحسب عون- للحؤُول دون قُدرتها ومُتابعتها الادِّعاء وملاحقة بقيَّة الشَّخصيَّات من سياسيِّين ورجال أَعمالٍ في الجُرم نفسه".
كذلك فات حبيش أَنَّ في أَرشيفه ملفاتٍ كثيرةً يستحقُّ أَنْ يُساءَل عليها، خلافًا لماضٍ يراهُ مجيدًا، بدءًا بقطع 4500 شجرة لشقِّ طريقٍ فرعيَّةٍ إِلى قصره في القبيَّات، على نفقة الدَّولة، وبكلفةٍ تصل إِلى نحو مليون دولار، مرورًا بـ"التَّوسُّط" لدى وزير الدَّاخليَّة السَّابق نُهاد المشنوق، للتَّرخيص لمقالع وكسَّارات، وصولاً إِلى المُشاركة في صفقات الميكانيك والـparkmeterولوحات السَّيَّارات والتَّرخيص لسماسرة في النَّافعة الَّتي ترأَسُها سلُّوم.
وكذلك سُجِّل على حبيش –في المُؤْتمر الصِّحافيِّ– رفضه الاستماع إِلى أَسْئلة الصِّحافيِّين، ولذا فقد كان الأَجدى به، إِرسال بيانه أَو تسجيل "الفيديو" العائِد إِلى مُؤْتمره، ليُنشر في وسائل الإِعلام، بدلاً من تحميل الإِعلاميِّين من كلِّ الوسائل الإِعلاميَّة، عناء التَّوجُّه إِلى منزله، لمُجرَّد تصويره وهو يقرأُ البيان. وهُنا تُسجَّل مُحاولةٌ لأحد الزملاء، للاستفسار من حبيش عن قوله في بعبدا إِنَّ هُدى سلُّوم، هي مُوكِّلته و"ابنة بلدته (القبيَّات)"، فقد حاول أَنْ يستوضح لماذا يمزج حبيش بين دوره كمُحامٍ ونفوذه كنائبٍ، وبالتَّالي لماذا يوحي مِن خلال كلامه، بأَنَّه يُدافع عن ناخبيه ظالمين كانوا أَم مظلومين، وصُولاً إِلى تحريرهم من السِّجن مهما كان الثَّمن!... وإلاَّ فهَل تُبرِّر المصلحة الانتخابيَّة ما قاله في حقِّ القاضية عون؟.
لقد حوَّل بعض الشِّعارات "المِثاليَّة" الَّتي أَطلقها حبيش، مؤتمره الصِّحافيَّ إِلى لقاءٍ انتخابيٍّ، مع جُمهورٍ يُصفِّق حين يَطلب منه ذلك مُدير المَسرحَ!. كما ونفى حبيش استياءً كان عبَّر عنه رئيس مجلس النُّوَّاب نبيه برِّي، ممَّا حدث مع القاضية عون. وفيما أَجمعت وسائِل الإِعلام على أَنَّ برِّي أَبلغ حبيش أَنَّ بتصرُّفه في محكمة بعبدا قد "ورَّط المجلس النِّيابيَّ وورَّط نفسه"، فقد ادَّعى حبيش أَنَّ برِّي اتَّصل به لمُجرَّد الاستفسار عن الموضوع، وأَنَّ رئيس المجلس كان مُتفهِّمًا لموقفه!...
ولم يكُن مُؤْتمر حبيش ليُقنع النَّاس، كيف أَنَّ صاحب شِعار "العُبور إِلى الدَّولة"، يتصرَّف في محكمة بعبدا على نحو ما تصرَّف به!. وبغضِّ النَّظر عن المعنى الَّذي أَراد إِيصاله من خلال وصف محكمة عون بأَنَّها "كرخانة"، فإِنَّ في مضمون كلامه إِهانةً للمحكمة، وبالتَّالي فإِنَّ كلامه مرفوض وهو يُشكِّل مُخالفةً.
إِنَّ الذِّهنيَّة الَّتي يتعامل بها البعض في شأن القاضية عون، يُظهر أَنَّ مُقاربة هؤلاء تقوم على قاعدة "نُريد قضاءً يستثنينا من ملفِّ الفساد"، أَو على قاعدة "نبتغي خيمةً تقي الفاسدين عندنا"، أَو تحت شِعار "نُريد قضاءً نوجِّهه سياسيًّا بحسب مصالحنا"، والويل لقضاءٍ يقول لنا "محلا الكِحل في عيونكم".
وفي المُقابل فإنَّ حجَّة القاضية عون تبدو –من خلال المواقف الَّتي أَطلقتها خلال الأَشهر الماضية– أَكثر إِقناعًا، هي الَّتي كانت أَكَّدت وجوب "البدء بملاحقاتٍ قضائيَّةٍ جديَّة في لبنان"، واعتبرت "أَنَّ على القضاء أَنْ يقوم بعمله عندما يمتلك ملفَّاتٍ ومُستنداتٍ. وهي إِلى ذلك ترى أَنْ "كيف يمكننا استعادة المال المنهوب إِذا لم نبدأ بالمُلاحقات القضائيَّة"؟... وأَنَّ "مُكافحة الفساد في صلب مُطالبات النَّاس"... وهي –إِلى ذلك– تجزُم: "لا نحتاج إِلى دعمٍ سياسيٍّ ولا إِلى حصانات في قانون الإِثراء غير المشروع".
شتَّان ما بين المُؤتمر الصِّحافيِّ الَّذي عقده رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، على خلفيَّة اتِّهامه بالإِثراء غير المشروع، حيث أَعلن أَنَّه "تحت سقف القضاء اللبنانيِّ"، ومُؤْتمر حبيش الهادف إِلى الدِّفاع عن "قريبته"!.
ويبقى أنَّ هادي حبيش الَّذي اتّهم القاضية عون بالتَّصرُّف "الميليشياويِّ"، والعمل الحزبيِّ، نسي أَنَّها لم تُبالِ لمصالح النَّائب طلال إِرسلان، المُفترض أَن يكون حليفًا سياسيًّا للقاضية عون، وقد صوَّب "المير" نيران كلامه في وجه عون، بعد أَيَّامٍ قليلة من قرار القاضية عون إِقفال كسَّاراتٍ غير قانونيَّة تعود ملكيّتها إِلى بيار فتُّوش، والَّذي يسعى إِلى إِقامة مصنع "إِسمنت الأَرز" في عين دارة، فيما إِرسلان من أَشدِّ مُؤيِّدي إِقامة المعمل!.
وفي مُطلق الأَحوال، قد تكون النَّصيحة الأَجدى في هذا المجال، ما غرَّد به وزير العدل في حُكومة تصريف الأَعمال أَلبرت سرحان عبر "تويتر": "تداولت ورئيس مجلس القضاء الأَعلى في مُستجدَّات قضيَّة القاضية غادة عون، المسأَلة هي قضائيَّة داخليَّة، وهي قيد المُعالجة من مجلس القضاء الأَعلى لما فيه مصلحة القضاء. وأَهيب بالجميع أَخذ هذا الأَمر في الاعتبار".