أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى أن "البلاد والعباد أمانة الله تعالى في أرضه، فقد توجّه الله سبحانه لكل الخلق بحق هذه الأمانة فقال (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لأن الاستهتار بحقوق الناس ووجعهم وبؤسهم يعني استهتاراً بالقيم الإلهية والمقدّسات، ليسأل الظالم والفاسد والمستبد ومن يتعامل معهم ويعمل لصالحهم عما أفسدوا بحق الناس وبلادهم وظروف حياتهم، وبخاصة لقمة العيش ومن يتجرأ على استهدافها واستغلالها من قبل مافيات المال والاحتكار وأصحاب السلطة والنفوذ"، لافتاً إلى أنه "في المقابل المولى سبحانه وتعالى يصرّ على عباده ألا يرضخوا، وألا يسلموا للظالم والفاسد، وأكّد عليهم ضرورة الانتفاضة والتكتل باسم الحق، وضمن شروطه، لتأكيد قوة الحق وقدرته على خلع الظالم والفاسد ومحاسبته وقطع يده ومنعه من ظلمه وفساده وسلبه مقدرات البلاد، وهو ما نعاني منه في هذا البلد المنهوب والمنكوب، حيث أغلبية اللبنانيين يتفرقون على حقهم، فيما أهل الباطل من تماسيح الفساد يجتمعون على فسادهم وصفقاتهم واستئثارهم لقتل شعب بكامله، عبر لعبة الأسعار وطاعون النفوذ والاحتكار".
وتوجه قبلان، في خطبة الجمعة، للبنتانيين مؤكداً أن "باسم الله والبلاد والعباد الاحتكار حرام، حرام عليكم أن تكونوا محتكرين، حرام من يبيت شبعاناً وجاره جائع، حرام من يضارب بسعر الصرف، حرام من يؤيّد فاسداً أو يعمل لصالحه، حرام من يغض الطرف عن فاسد، حرام من ينصر الباطل بكافة أشكاله السياسية والمالية والنقدية والإعلامية والاجتماعية، حرام من تفرقه الطائفية عن رغيف ناسه وآلام مجتمعه، حرام من يتمسك بالإسلام ليستنزف المسيحي، حرام من يتمسك بالمسيحية ليحقد على المسلم، حرام من يتمسك بالدين ليعاقب الملحد برغيفه وحقوقه المختلفة، فكما الرب واحد، كذلك المظلوم والمحروم والمضطهد واحد، وعلى الجميع التوحّد لإنقاذ البلد ممن نهب البلد طيلة عقود، وما زال حتى اليوم يمارس طريقة نهب البلد واحتكار أسواقه واللعب بدولاره".
كما توجه إلى المرجعيات الدينية والسياسية منوهاً بأنه "كلكم راع وكلكم مسؤول أمام الله، ومن ترك رعية الله خسر الله، ومن ائتمن فاسداً أو سكت عنه خسر الدنيا والدين، وكل من ينتحر أو يجوع أو يئن أو يشكو ظلماً أو فقراً أو حاجة، فأنتم مسؤولون عنه يوم القيامة، بل كلنا مسؤول بلا استثناء، وكلّ بحسب قدرته ومسؤوليته"، موضحاً أن "البلد يعيش مرحلة عصيبة ومصيرية اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، جراء الحصار الخانق الذي تقوده واشنطن ووكلاؤها بهدف تجويع اللبنانيين وإخضاعهم، ولهم نقول، من وقف في وجه الكيان الصهيوني وحرّر الأرض وحارب التكفير واستعاد السيادة والكرامة لن يركع من أجل رغيف خبز، ولن يستسلم مهما بلغت الضغوطات والتهديدات والتهويلات، بل سيزداد منعة وصلابة، وسيبقى مستعداً ومتأهباً لشتى أنواع التحدي وصابراً ومحتسباً لأنه صاحب حق، فمن كان مع الحق كان الله معه فهو حسبه ونصيره".
واعتبر قبلان "أن معركتنا معركة الحق ضد الباطل، وهي مسؤولية تاريخية أمام الله والوطن، وواجبنا الديني والأخلاقي والوطني هو في تحمّل هذه المسؤولية، والحياد في هذه المعركة حرام وخيانة، لأن الحياد في معركة خنق البلد هروب واستسلام، كما أن الحياد بحسابات مذهبية ودينية وثقافية ونمطية رغم فساد الفاسد وظلم الظالم أمر كارثي، فلا حياد في حرب الوطن، ولا حياد في مصالح البلد، ولا حياد في معركة الحق، ولا حياد في معركة الاستقلال والسيادة، ولا حياد في مواجهة الظالم والفاسد والمعتدي، كما أنه لا حياد في وجه الحصار المالي، ولا حياد في وجه تماسيح اللعبة المالية النقدية الداخلية والخارجية، ولا حياد في وجه من نهب البلد والثروات الوطنية، وحوّل الدولة إلى أسوأ من مزرعة؛ وهذا ما أثبتته المائة سنة الماضية. فأيّ حياد تريدون ونحن نختلف على تعيين موظف فئة عاشرة من أي طائفة يكون، ولمن ينتمي! وقبل هذا وذاك، اعملوا على الأقل على إلغاء الطائفية من نفوسكم وقلوبكم، وابدؤوا العمل على تأسيس دولة مواطنة".
وفي حديثه للحكومة شدد على أن "قلّة الكلام وكثرة العمل أفضل، وكذا مضاعفة الجهد، وطرق كل الأبواب التي تنقذ البلد، أو بالحد الأدنى تخفّف من هذا العبء الثقيل الذي بات كل مواطن لبناني يدفع ثمنه من عمره ومن مستقبل أولاده، فالتلهي بالمكايدات السياسية والطائفية والمذهبية حرام"، مشيراً إلى أنه "علينا جميعاً إلى جانب هذه الحكومة أن نكون يداً واحدة من أجل مصير كل اللبنانيين. فلا يجوز لأي كان أن يتهرّب من المسؤولية الوطنية، فالوقت ليس لرمي التهم ولا لاستمرار المناكفات والانقسامات والتحريض من هنا وهناك، البلد مستهدف ومحاصر، وفيه ومن حوله كل أدوات التخريب والتدمير. وعلى العقلاء والمخلصين أن يأخذوا دورهم ويبادروا فوراً إلى التلاقي وبذل كل ما يقدرون عليه من أجل خارطة طريق وطنية إنقاذية قادرة على وقف هذا التدهور الخطير الذي قد يذهب بالحياد والوجود".
بالتوازي، أكد قبلان أنه "من غير المقبول أن تعتذر وزارة الاقتصاد عن قلة المراقبين، أو باقي الوزارات والأجهزة الحكومية عن قلة الإمكانيات، لأن من لديه ما يقارب 350 ألف موظف لا يحق له أن يكون مقصّراً، واعتذاره غير مقبول، ولم يعد مسموحاً بالتقاعس أو الإهمال أو التذرع بذرائع غير مقنعة، كما من غير المقبول أن يتم رفع سعر السرفيس، لأن من يتجرأ على ذلك عليه أن يعمد إلى تأمين النقل العام كبديل، ومن يتنازل للأفران والمطاحن وجماعة المازوت والطاقة ويسكت عن رفع تسعيرة نقابة الأطباء، عليه أن يثبت دوره كضامن معيشي اجتماعي طبي اقتصادي، والواقع غير ذلك، خاصة أن البلد في ورطة، والحيتان كثيرة، ومن دون ضوابط. ومن كنا نعتقد أنهم إخوة بلد ووطن وناس يلعبون اليوم إخوة يوسف والذئب وعلى العلن، والكارثة أن لهؤلاء حيتاناً داخليين يعتقدون أن تجويع ناسنا وشعبنا مربح بالسياسة والانتخابات، فيما الطاعون الطائفي يعطي هؤلاء أفضلية الحشد المذهبي والطائفي، رغم أنهم ينهشون بقية قدرة اللبناني على الصبر والجوع والبؤس الذي طال كل شيء، فاتقوا الله يا أهل السياسة واعلموا أن الصبر مقادير، والبلد إذا سقط لن يبقى كما يعرفه اللبنانيون".