بعيدًا عن تدجيل وكذب وخداع "قارئي الفناجين" الجُدد، من مُدعي عِلم لا يُعَلَّم في أيّ جامعة في العالمبشأن تأثير الأبراج على الحياة البشريّة، ومن زاعمي مُشاهدة رُؤى مُصوّرة عن أحداث المُستقبل، من الضروري عشيّة السنة الجديدة، إستعراض بعض أبرز المحطّات التي سيحملها العام 2021 الطالع، في منطقة الشرق الأوسط فقط(1)، بناء على مُعطيات مَلموسة ومحطّات فاصلة مُنتظرة، ومن مُنطلق تحليلي–صحافي مَحض. فماذا في التفاصيل؟.
إذا كان العالم ينتظر تسلّم إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن زمام السُلطة، بعد التخلّص من العراقيل التي يُحاول الرئيس المُنتهية ولايته دونالد ترامب وضعها، لمعرفة الخطوط العريضة للسياسة الأميركيّة على مُستوى كلّ الملفّات الساخنة، ومن بينها الملفّات الإقليميّة، فإنّ منطقة الشرق الأوسط تنتظر بدورها نتائج سلسلة من الإنتخابات المُهمّة في كلّ من إسرائيل وسوريا وإيران.
في إسرائيل، يُواجه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أزمة سياسيّة داخليّة جديدة، بعد فشل الإئتلاف الذي جمع كلاً من حزبي "الليكود" و"أزرق أبيض"، بحيث جرى حلّ الكنيست مرّة أخرى، وتحديد تاريخ 23 آذار المُقبل، موعدًا لإجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة، هي الرابعة خلال عامين، الأمر الذي يدلّ على حجم الإنقسام الداخلي الذي تُعاني منه إسرائيل، وعلى تشتّت الثقل السياسي والشعبي على عدد كبير من الأحزاب السياسيّة التي لم يعد بمقدور أيّ منها التفرّد بالسُلطة، وبالتالي بالقرارات(2).وبحسب التوقّعات، فإنّ نتيجة الإنتخابات لن تُحدث تغييرات جذريّة على مُستوى توزيع القوى القائم في إسرائيل حاليًا، حيث يُنتظر أن يعجز أيّ حزب سياسي على نيل أغلبيّة كافية لأن يُشكّل حُكومة وحده، ما يعني عمليًا الدُخول في مُفاوضات جديدة بعد الإنتخابات، لتشكيل إئتلاف حُكومي تتوزّع فيه الأحجام تبعًا لنتائج الإنتخابات في الكنيست. وليس بسرّ أنّ الأحزاب الإسرائيليّة غير مُتفقة إزاء ملفّ التطبيع مع الدُول العربيّة، وملفّ التعامل مع الفلسطينيّين، وملفّ التعامل مع إيران، إلخ. لكنّ الأكيد أنّ أيّ رئيس وزراء لا يتمتّع بدعم شعبي واسع، سيكون بحاجة دائمًا لإثبات نفسه ولإلهاء الإسرائيليّين، ما يعني إبقاء التوتّر مع الدول المُحيطة، وإستمرار الضربات العسكريّة الإسرائيليّة، وإستمرار اللعب على حافة الهاوية مع "محور المُقاومة والمُمانعة"، مع كل الإرتدادات السلبيّة على الإستقرار الذي يحتاجه لبنان.
في سوريا، من المُفترض أن يتمّ تنظيم إنتخابات رئاسيّة بين 16 نيسان و16 أيّار من العام 2021، على أن يبقى الرئيس المُنتخب بالأغلبيّة العدديّة لأكثر من نصف الناخبين، في سدّة الرئاسة لسبع سنوات على الأقلّ. وليس بسرّ أنّ الرئيس السُوري الحالي بشّار الأسد هو المرشّح الذي سيفوز، في ظلّ توقّعات بتنافسه شكليًا مع مرشّحين لا يتمتّعون بأيّ دعم شعبي يُذكر في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السُوري. وترفض الجهات السوريّة المُعارضة المُتعدّدة الإعتراف بالإنتخابات المُزمع تنظيمها، وتُشكّك بنزاهتها، في ظلّ تغييب الجزء الجنوبي لسوريا عنها، وتغييب ملايين النازحين السُوريّين عنها. أكثر من ذلك، تعتبر المُعارضة السُوريّة أنّ إجراء إنتخابات وفق قوانين قديمة، هو إلتفاف على جُهود اللجنة الدُستوريّة التي تُناقش منذ مدّة وبمُساعدة دَوليّة، تعديل القوانين السُوريّة، بما فيها القوانين الخاصة بالإنتخابات وبولاية الرئيس، إلخ. إشارة إلى أنّ بعض الدول الإقليميّة والغربيّة تُعوّل على تأجيل الإنتخابات الرئاسيّة السُوريّة في إنتظار تعديل الدُستور السُوري، على أمل أن تُغيّر سلميًا ما عجزت عن تغييره في الحرب، لكنّ النظام السُوري يُصرّ على إجراء الإنتخابات في موعدها ويؤكّد فصل هذه المحطة عن عمل اللجنة الدُستوريّة التي تدرس تعديل الأنظمة، والتي تواجه عراقيل بالجُملة وتدخّلات خارجيّة كبرى. وبحسب التوقّعات فإنّ الرئيس الأسد سيُنتخب لولاية رئاسيّة جديدة، في ظلّ مُقاطعة واسعة، ورفض العديد من الدول الإعتراف بالنتيجة، ما يعني أنّ الملفّ السُوري سيبقى مَفتوحًا في الأمد المَنظور، ومحلّ كباش إقليمي–دَولي مُستمرّ، إلى حين التوصّل إلى تسوية كبرى، تتجاوز مسألة التفاهمات الروسيّة – التركيّة، وتتجاوز تقاسم النُفوذ الحالي بين كل من روسيا وإيران وتركيا. وبالتالي، إنّ إنتخاب الرئيس بشّار الأسد لولاية جديدة، بناء على موازين القوى القائمة ميدانيًا في سوريا حاليًا، أي من دون التفاهم مع القوى الإقليميّة والدَوليّة المَعنيّة بالملفّ السُوري، يعني أنّ الحصار الإقتصادي على سوريا سيبقى قائمًا، وأنّ ملفّي إعادة الإعمار وعودة اللاجئين سيبقيان بحكم المؤجّلين في المُستقبل القريب. ولا حاجة للتذكير أنّ لبنان يدفع الثمن الأكبر على مُختلف الصُعد، نتيجة عدم عودة اللاجئين السُوريّين إلى بلادهم، والمؤسّف أنّ هذا الوضع مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة.
في إيران، حدّد مجلس صيانة الدُستور الإيراني 18 حزيران 2021 المُقبل موعدًا للإنتخابات الرئاسيّة، حيث يُنتظر أن يختار الإيرانيّون خليفة الرئيس حسن روحاني الذي أمضى فترتين رئاسيّتين مُتتاليتين، ولا يُمكنه الترشّح لولاية ثالثة. وبحسب الدُستور الإيراني، يتقدّم المُرشّحون بأوراقهم إعتبارًا من مطلع نيسان المُقبل، لكنّ الإعلان عن قائمة المُرشّحين النهائيّة يتمّ من قبل مجلس صيانة الدُستور في مطلع حزيران، حيث غالبًا ما يتمّ الإبقاء على المُرشّحين الذين يدورون في فلك النظام الحاكم. وعلى الرغم من أنّ الإنتخابات النيابيّة الإيرانيّة الأخيرة التي جرت في شباط الماضي، شهدت أدنى نسبة تصويت منذ "الثورة الإسلاميّة" في العام 1979، حيث بلغت 42,57% وذلك بفعلالنقمة الشعبيّة الواسعة على تدهور الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة بسبب الحصار الأميركي المفروض على إيران، إلا أنّ النوّاب المُحافظين ما زالوا مُسيطرين على البرلمان، وأي رئيس مُقبل لن يخرج على سيطرة هؤلاء، حيث تؤكّد أغلبيّة التوقّعات أنّ التيّارات المُتشدّدة في إيران قادرة بسُهولة على قطع الطريق على التيّار الإصلاحي. ولا شكّ أنّ التطوّرات التي ستحصل على مُستوى الملفّ النووي الإيراني في الأشهر المُقبلة، ستؤثّر على إسم الشخصيّة التي ستصل إلى سدّة الرئاسة، علمًا أنّ فرص الجنرال حسين دهقان، المُستشار العسكري للمُرشد الإيراني علي خامنئي، كبيرة حاليًا، وفوزه يعني أنّ الرئاسة ستُصبح مُباشرة بيد الحرس الثوري. وليس بسرّ أنّه كلّما إتجهت الأمور بين إيران والدول الخليجيّة من جهة، وبين طهران وواشنطن من جهة أخرى، إلى التوتّر والإحتقان والمُواجهة، كلّما سيكون لبنان عرضة لأن يدفع الثمن غاليًا، والعكس صحيح أيضًا.
في الخُلاصة، لبنان الصغير سيتأثّر مُباشرة بأكثر من إستحقاق إقليمي قريب، وبدلاً من تحصين الساحة الداخليّة عبر تشكيل حُكومة مُتماسكة، وعبر تأمين الإستقرار الداخلي أمنيًا وسياسيًا وإجتماعيًا، يتمّ تعميق الإنقسام، وترك الأمور تتدهور أكثر، في ظلّ ترقّب مُتبادل للفرص لمُحاولة بسط السيطرة وإلغاء الآخرين!.