بعد ساعات معدودة، تنتهي رسمياً ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويتحول الى رئيس جمهورية سابق. ست سنوات هي عمر الولاية التي شغلها، والتي قسمت اللبنانيين بين مؤيد له ومعارض، وسيبقى هذا الانقسام من دون شك حتى بعد عودته الى الرابية. من المستحيل اخذ طرف للحكم على مسار الولاية التي شغلها عون، فبالنسبة الى مؤيديه تعرض لحرب شرسة هدفت الى منعه من تحقيق اي مكسب لكنه على الرغم من ذلك تمكن من انتزاع بعض الامور التي ستطبع الحقبة التي شغل فيها قصر بعبدا. اما بالنسبة الى معارضيه، فلا شك ان عهده هو اسوأ عهد مرّ على لبنان واللبنانيين، وان السنوات الست لا يمكن وصفها سوى بـ"الكارثة".
بين هذا وذاك، يبقى الحكم للتاريخ، ولكن ماذا بعد انتهاء الولاية وما بعد بعد عودة عون الى الرابية؟ مصادر مطلعة وقريبة من التيار الوطني الحر، تفيد بأن العودة الى الرابية لها دلالاتها، فهي تعني انه الرئيس غادر وعاد "الجنرال" مع كل ما يحمل ذلك من معانٍ معنوية وفعلية، خصوصاً بعد تحرره من عبء المسؤولية الرسمية التي كانت ملقاة على عاتقه، وانه سيعود كما كان قبل تسلمه مهام الرئاسة، اي انه سيخلع قفازات الدبلوماسيّة ويتحدث بلسان المسؤول السياسي، وسيبقى في الحياة السياسية ولن يكون كمّن سبقه من الرؤساء، مجرد متفرج على الاحداث، لانّ الاوضاع تحتّم عليه التدخل ناهيك عن ان التيار الوطني الحر لا يزال يحن الى مؤسسه، ويسترشد به ويعوّل عليه في التدخل عند اللزوم لتصحيح الامور.
في المقابل، تقلّل مصادر معارضة لعون، من امكان لعبه الدور الذي يتطلع اليه مؤيدوه ومحازبو التيار الوطني الحر، لانها تعتبر انه لم يعد بمقدوره العطاء كما في السابق، وان السنوات الست التي قضاها كرئيس للجمهورية كانت كفيلة بافراغ رصيده الذي عمل عليه لعقود من الزمن، وانه بعد ان يصبح رئيساً سابقاً، سيكون اكثر عرضة للانتقاد والتجريح حتى. وعن عودته على رأس التيار الشعبي، شكّكت المصادر نفسها بهذا الامر، معتبرة ان رئيس التيار الحالي لن يقبل ان يكون تحتّ ظل احد حتى ولو كان اسمه ميشال عون، وبالتالي سيكون عون على غرار ما كانت عليه الملكة اليزابيث في انكلترا، وسيكتفي بالمنصب الفخري المعنوي من دون التمتع بأي تحرك عملي او قدرة فعليّة على التأثير في مجريات الاحداث، وباستقبال بعض الشخصيات والمناصرين، لان باسيل سيتولّى كل شيء، وسيكتفي عون بدعوة انصاره ومؤيديه الى الاصطفاف خلف رئيس التيار، ما سيزيد من استنزاف رصيده لدى القدامى ومن رافقوه في مسيرته، وكل من لمس عدم قدرة الرئيس الحالي للتيار على الجمع والالفة بين المحازبين، ما ادى الى انقسامات كبيرة لا يزال التيار يدفع ثمنها.
انها المعضلة الحقيقية التي سيكون عون بطلها، فمغادرته بعبدا ستعني اما بداية حقبة جديدة له في الحياة السياسية على عكس من سبقه في هذا الموقع (وفق ما يقول مؤيدوه)، واما نهاية حياته السياسية بفضل وجود باسيل على رأس التيار (وفق ما يؤكّد معارضوه)، ولكن في الحالتين سيبقى ميشال عون ظاهرة فريدة في لبنان، ولو انها لم تستطع استقطاب اللبنانيين جميعاً حولها، ولكنها ستبقى مادة مهمة في الحياة السياسية اللبنانية لسنوات، ورواية سيرويها كل شخص وفق رؤيته الخاصة لهذا الرجل الذي سيبقى للكثيرين "الجنرال عون" ولكثيرين آخرين "الرئيس الاسوأ" في تاريخ لبنان، ليثير انقساماً كبيراً يضاف الى سلسلة الانقسامات التي يعاني منها اللبنانيون.