أثار الحديث عن إقدام الجبهة الشعبية–"القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل (الأمين العام الحالي الدكتور طلال ناجي ويقيم في دمشق) على إخلاء موقعها في الناعمة-ساحل الشوف، وتسليمه إلى الجيش، تساؤلات في الأوساط السياسية اللبنانية والفلسطينية عن صحتها خاصة لجهة التوقيت في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب اللبناني.

لكن مسؤول "القيادة العامة" في لبنان غازي دبور "أبو كفاح"، نفى لـ"النشرة" ما تردد عن تسليم موقع الناعمة إلى الجيش اللبناني. مؤكدا أن هذا الخبر غير صحيح وما جرى هو إخلاء طريق مدني باتجاه الدامور لتسهيل حركة المدنيين بعد اتصالات جرت (منذ أشهر وليس حديثا) مع الجيش اللبناني وبلدية الناعمة بديلا من سلوك طريق وعرة للوصول إلى منازلهم انطلاقاً من حرصنا على حُسن العلاقة مع الجوار"، موضحا "أن هذه المواقع العسكرية موجودة لمواجهة العدو الإسرائيلي وضمن الإستراتيجية الدفاعية عن لبنان والمخيمات في إطار المواجهة المفتوحة".

وتعتبر "القيادة العامة" إحدى قوى "تحالف القوى الفلسطيني" الموالي لسوريا، إلى جانب حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ومنظمة "الصاعقة" و"فتح الإنتفاضة" وغيرهم، وهي عضو في إطار "منظمة التحرير الفلسطينية" وجمدتها بعد اتفاق "أوسلو" العام 1993، وهي الوحيدة التي لها مواقع عسكرية خارج المخيمات الفلسطينية في لبنان، إذ لديها موقعان آخران في البقاع هما "السلطان يعقوب وقوسايا".

وقد طالبت الدولة اللبنانية خلال السنوات الماضية أكثر من مرة، تسليم السلاح الفلسطيني في إطار خطة متكاملة لسحبه خارج المخيمات وتنظيمه داخلها، ولكنها كانت تصطدم بعقبات كثيرة حالت دون ذلك. وعادت طرحت لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني الموضوع ضمن استراتيجيتها التي تقوم على قاعدة الحقوق والواجبات ومقابل منح الشعب الفلسطيني بعض الحقوق في لبنان.

وأكد أمين سر المكتب السياسي لـ "القيادة العامة" أنور رجا، "أن مواقع الجبهة العسكرية تأتي في إطار الوجود الفلسطيني في لبنان منذ أكثر من 40 عاما، ولعبت دورا بارزا في معارك المواجهة مع العدو الصهيوني، حالها حال الفصائل الفلسطينية في مسيرة تحرير فلسطين، وعندما تم صياغة المشهد في الجنوب وأصبح "حزب الله هو القوة الأساسية الموجهة والتي تقود المعركة، اختلف دور هذه المواقع ولكن في الجوهر لم يختلف المعنى".

وأضاف رجا، "وفي نفس الوقت هي قواعد ارتكاز وجدت في قلب وباطن الجبال لاتقاء هجمات الطيران بعيدا عن الأماكن المدنيّة ومع التطور العمراني في منطقة الناعمة والديمغرافي اقتضى الأمر في موقع الشؤون الإدارية ما بين الناعمة والدامور، وهو ممر للمشاة على كتف الدامور الشمالي، ونتيجة اتصالات قديمة وقبل أشهر والحرب، الاتفاق على إخلائه وهو مستودع الشؤون الإدارية وليس مستودعا للصواريخ أو الأسلحة.

واعتبر رجا، أن التوقيت حساس ويشار له بأكثر من معنى، ونحن نتفهم ظروف الساحة اللبنانية وليس هناك جديد في المرحلة المقبلة، نافيا وجود اتفاق لاخلائها على طاولة الحوار اللبناني–الفلسطيني في تلك الفترة، علما أنها لم تتسبب بأيّ حادث أمني طيلة وجودها مع محيطها.

اهتمام وتساؤلات

وتوقفت مصادر فلسطينيّة باهتمام أمام طرح الموضوع الآن وبهذه الطريقة، وأشارت عبر "النشرة"، أن توقيته يحمل تساؤلات كثيرة:

-أولا: في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب اللبناني وارتفاع لغة التهديد بالقيام بعملية عسكرية واسعة حتى جنوب الليطاني، ما يؤكد الحاجة الملحة إلى كل سلاح للدفاع عن لبنان والمخيمات في إطار المعركة المفتوحة مع "إسرائيل" التي ارتكبت المجازر وحرب الإبادة في غزة وضربت بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية.

-ثانيا: محاولة لإعادة تسليط الأضواء على واقع السلاح الفلسطيني وجعله مادة للخلاف اللبناني–الفلسطيني في ظل الواقع السياسي المأزوم لبنانيا على وقع الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال والانقسام العامودي في مختلف القضايا الساخنة وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية.

وأكدت المصادر، أن النقاش الفلسطيني–اللبناني بشأن السلاح توقف منذ فترة، ولم يكن يجري على قاعدة تجزئته أو فصله عن سياق تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان ومنح الشعب الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية على قاعدة الحقوق والواجبات، بعدما طرح مصير السلاح عقب اشتباكات عين الحلوة الأخيرة بين حركة "فتح" و"تجمع الشباب المسلم" في تموز 2023 اثر اغتيال قائد قوات الأمن الوطني اللواء أبو أشرف العرموشي.

واعتبرت "أن السلاح الفلسطيني في المخيمات أو خارجها ما زال يحمل عنوان "المقاومة" وهو سلاح معنوي للدفاع عن القضية الفلسطينية وحق العودة في وجه كل محاولات شطبها وفرض التوطين، وسلاح دفاعي أمام أي عدوان إسرائيلي على المخيمات، وسلاح "القيادة العامة" واحد من هؤلاء، كما سلاح حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اليوم في معركة "طوفان الأقصى" وجبهة الإسناد في الجنوب اللبناني".

يذكر أن "القيادة العامة" تأسست سنة 1968 بقيادة أحمد جبريل، وبنت مواقع عسكرية خارج المخيمات وشقّت الأنفاق منذ منتصف السبعينيات بدعم من ليبيا من خلال العلاقة التي ربطت بين جبريل ومعمر القذافي. وقد تعرضت للعديد من الغارات الإسرائيلية في العقود الماضية، لا سيّما موقع الناعمة، أشهرها الإنزال نهاية عام 1988، وأدّى إلى مقتل عدد من الغزاة، ومجموعة فلسطينية من حاميته.

وقد أسرت القيادة العامة جنودا إسرائيليين في لبنان، وأبرمت عدة صفقات لتبادل الأسرى مع إسرائيل بشكل غير مباشر، من بينها عملية تبادل أسير إسرائيلي، مقابل 76 أسيراّ، في العام 1979، وعملية تبادل ثلاثة جنود إسرائيليين، مع أكثر من ألف أسير بينهم الشيخ أحمد ياسين والياباني كوزو أكوموتو، عام 1985.