حتى الساعة، لا تزال تُطرح الكثير من الأسئلة حول حقيقة أهداف إسرائيل من التصعيد على الجبهة اللبنانية، خصوصاً أن في الداخل الإسرائيلي من هو في طور المزايدة على القيادتين السياسية والعسكرية في هذا المجال، من خلال طرح مجموعة واسعة من العناوين ذات الأسقف العالية.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أنه قبل إنطلاق هذه الموجة من التصعيد، كانت أغلب الدعوات بالذهاب إلى معركة ضد "حزب الله" تصدر عن جهات معارضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، هي نفسها من كانت تطالبه بالذهاب إلى تسوية في قطاع غزّة مع حركة "حماس"، تحت عنوان إعادة الأسرى لدى الحركة، الأمر الذي كان يُفسر على أساس أنه رغبة من تلك الجهات في إظهاره في موقع العاجز.

إنطلاقاً من هذه النقطة، بحسب ما ترى مصادر متابعة عبر "النشرة"، ينبغي قراءة التصعيد الإسرائيلي، خصوصاً أن هذا الأمر ساهم، إلى حد بعيد، في تخفيف الضغوط عن نتانياهو، حيث لم يعد التركيز على الأوضاع في القطاع أو صفقة الأسرى، بل باتت الأحداث على الجبهة مع لبنان هي العنوان الأول، وهو ما يحظى بتأييد فئات واسعة في تل أبيب، على قاعدة أن هذه الحرب أمر لا بد منه.

على الرغم من ذلك، تشدد المصادر نفسها على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس مطلق اليدين في هذه المعركة، على عكس ما يظن الكثيرون، فهو مجبر على الإلتزام بالخطوط الحمراء الأميركية، نظراً إلى أن واشنطن هي من تدير هذه المعركة، التي لم يكن من الممكن أن يذهب إليها نتانياهو من دون ضوء أخضر منها، فهي في حقيقة الأمر لا تمانع السعي إلى إضعاف قدرات "حزب الله"، من دون أن يقود ذلك إلى الإنخراط في مواجهة أوسع، بات عنوانها اليوم الحرب البرية.

في الوقت الراهن، لا يمكن الذهاب بعيداً في توقع المدى الذي قد تذهب إليه تل أبيب في عدوانها على لبنان، خصوصاً أنها لم تعد، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، تتصرف وفق المعادلات التاريخية التي كانت معروفة عنها، وبالتالي قراءة الأمور ينبغي أن تتجاوز المنظار التقليدي، خصوصاً أن تداعيات المعركة الحالية ليس من السهل عليها هضمها.

في هذا المجال، تلفت المصادر المتابعة إلى أنّ العديد من وسائل الإعلام ومراكز الدراسات العبرية تذهب إلى طرح مجموعة من السيناريوهات، بالنسبة إلى المواجهة الحالية مع "حزب الله"، بعضها يصل إلى حد إعتبار أن المعركة انتهت، بعد الغارات الجوية التي نفذت في الأيام الماضية، بإنتصار حاسم لإسرائيل، من المفترض أن تتمّ ترجمته من خلال طرح شروط التسوية السياسية بسقف مرتفع جداً، لكن من الناحية العمليّة تدرك القيادات الفعلية أن هذا الأمر لم يتحقق.

بالنسبة إلى هذه المصادر، من الضروري التوقف عند ما نقل عن نتانياهو، أمس، بالنسبة إلى التأكيد أن هدف العمليات العسكرية هو فصل "حزب الله" عن حركة "حماس"، الأمر الذي يتطابق مع ما كانت بعض وسائل الإعلام العبرية قد نقلته عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، لناحية أن تل أبيب تنتظر من الحزب التراجع أو مواجهة المزيد من الضربات، لتؤكد أن الأمور لا تزال في قلب المعركة، وما حصل، حتى الآن، يشبه إلى حد بعيد الواقع في الأيام الأولى من حرب تموز 2006.

هنا، لا تستبعد المصادر نفسها أن يكون في الداخل الإسرائيلي من يسعى إلى توريط رئيس الوزراء بسقف مرتفع من الأهداف، يدرك الجميع أنه لن يستطيع تحقيقه في الحرب مع "حزب الله"، لا سيما أنه في الأصل لم ينجح في ما كان قد حدده في بداية العدوان على غزة، الأمر الذي ترى أنه قد يكون الدافع وراء تذكيره بالسقف الحالي لهذه المواجهة على الجبهة اللبنانية، لكنها تشدد على أن هذا لا يعني أنها ستنتهي في وقت قريب، لا بل قد تشهد المزيد من الضغوط من الجانبين.

في المحصلة، نتانياهو وضع سقفاً للحرب، يدرك مسبقاً أنه مرفوض من "حزب الله"، لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه مكبلاً بعدم القدرة على المغامرة بما هو أبعد منه، من دون أثمان كبرى يدفعها الداخل الإسرائيلي، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تسوية كبرى، حتى الساعة لم تتوفر شروطها اللازمة، خصوصاً أنها يجب أن تتضمن وقف إطلاق النار في غزة.