هلّل العرب وبعض اللبنانيين لانتصار الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية وعودته الى البيت الابيض بعد 4 سنوات على مغادرته منصبه. ومع الاخذ في الاعتبار ان ترامب وهاريس لا يختلفان لجهة اعطاء الاولوية المطلقة لاسرائيل وامنها وتفوقها على كل دول المنطقة (عسكرياً واقتصاياً)، استبشر العرب بتعهد ترامب انهاء الحرب في غزة ولبنان واعادة الاستقرار الى المنطقة في اسرع وقت ممكن، حتى قبل تسلمه مهامه الرئاسية بشكل رسمي في كانون الثاني المقبل.
ولكن الصدمة كانت كبيرة للعرب، بعد ان هلّل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بفوز المرشح الجمهوري، وهو الشعور الذي رافق ايضاً وزراء اليمين المتطرف، لكن الاخطر هو اعلان اسرائيل انها طلبت شراء 25 طائرة حربية اميركية من طراز "اف-15" بقيمة 5.2 مليار دولار، مع امكان شراء عدد مماثل في المستقبل. الغريب في الامر ليس الصفقة بحد ذاتها، لان الولايات المتحدة الاميركية تُعتبر العصب الاساسي لتوريد الاسلحة لاسرائيل، ولكن العجب هو في نوع الطائرة (التي تعتبر الافضل في سلاح الجو الاميركي نظراً الى مميزاتها وقدراتها المتطورة) من جهة، والى المبلغ المنوي صرفه على هذه الصفقة.
اما العجيب من طلب هذا النوع من الطائرات، فيعود الى ان لا حاجة لاسرائيل الى طلب الطائرات الاكثر تطوراً لسبب رئيسي، وهو ان أي دولة في المنطقة والجوار لا تهدّد سلاحها الجوي، ولو امتلكت طائرات "هوكر هنتر" (على سبيل السخرية)، لكانت اكثر من كافية لتأمين تفوّقها العسكريّ، اذ على الرغم من كل شيء، لم يتم تهديد اي من طائراتها العسكرية التي نفّذت غارات وطلعات هجوميّة، ليس فقط في لبنان، بل ايضاً في سوريا والعراق وايران، فيما باتت على توافق وتطبيع مع معظم الدول العربيّة الاخرى، ولا خطر منها. من هنا، تبرز الرسالة التي تفيد بأن الحصول على "اف-15" هو تأكيد على انه طالما تتمتع اسرائيل بالدعم الاميركي غير المحدود وغير المشروط، فعلى كل من يفكر في استهدافها ان يعيد حساباته جيداً، لان النتيجة لن تكون جيدة، وهذا يعني ايضاً ان مستقبل المنطقة لا يلحظ على المدى الطويل، استقراراً وأمناً وسلاماً، بل فترات متقطعة من التوترات والمواجهات العسكرية.
اما استغراب قيمة هذه الطائرات الحربيّة، فيعود الى انّه على الرغم من الاتفاقات السابقة التي اقرّتها ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن الذي ستنتهي ولايته رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل عند تسليمه مقاليد الحكم، فإنه معروف عن ترامب انّه يحصد من حيث لم يزرع، وبالتالي كيف تقبّل ان تسلَّم هذه الطائرات من دون مقابل، وهو الذي يقول انه لا يستثني احداً في الامور الماليّة والاعمال، فهل كسرت اسرائيل هذه القاعدة؟ وما هي العبرة التي يرغب في ايصالها الى الجميع في هذا المجال؟ إن هذه النقطة هي التي يجدر التوقف عندها، وربما يجب مراقبة ما ستؤول اليه الامور في هذا السياق، لانه وفق التجارب وطريقة تعاطي ترامب مع القريبين والبعيدين، فإن المال بالنسبة اليه هو ركيزة اساسية في كل خططه وقراراته، فهل سيلزم اسرائيل بدفع جزء كبير من المبلغ للحصول على هذه الطائرات، امم انه سيتحجج بعد فترة بأنّ الادارة السابقة (الحاليّة) قد ابرمت الاتفاق ولا يمكنه التراجع عنه، علماً انه سبق ونسف الاتفاق النووي الذي كان مبرماً مع ايران واعتبره لاغياً من دون ايّ مقدمات او تنبيه.
من المنطقي عدم الحكم على ايّ شخص فور الاعلان عن فوزه بأيّ منصب مسؤول، ولكن ترامب ليس اي شخص والظروف الحالية التي تعيشها المنطقة والعالم بأسره لا تمتّ الى العادية بصلة، وعليه يكون من المنصف انتظار وقت قليل جداً وحتى قبل دخوله البيت الابيض مجدداً، لمعرفه توجه الامور وما اذا كان سيقدر على اصلاح الامور (كما كان شعاره الانتخابي) ام انه باع العرب والعالم اوهاماً وقبض ثمنها ولاية تمتد لاربع سنوات؟.