مع بدء تطبيق وقف إطلاق النار في لبنان، يوم الأربعاء الماضي، عمدت فصائل المعارضة السورية المسلحة، بقيادة هيئة "تحرير الشام"، إلى القيام بهجوم واسع نحو مدينة حلب، لا تزال تُطرح علامات إستفهام حول حقيقته، بالإضافة إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب عليه، لا سيما أن تلك الفصائل نجحت، خلال وقت قصير، في السيطرة على مساحات واسعة.

حتى الساعة، لا تزال مختلف الأوساط المعنية تتحدث عن مشهد ضبابي، تصعب معه قراءة ما حصل بشكل دقيق، لكنه على الأكيد لا يمكن أن يُفصل عن الكثير من التطورات القائمة على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصاً بالنسبة إلى مصالح الجهات الفاعلة في الساحة السورية.

إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن محاولة قراءة المشهد، بشكل أقرب إلى الواقع، يجب أن تنطلق من واقع تلك الجهات ومصالحها، قبل البحث في أي أمر آخر، خصوصاً أن التفكير في ما يمكن أن يكون عليه المشهد، في المستقبل، بشكل دقيق، قد لا يكون ممكناً في الوقت الراهن.

وتعتبر هذه المصادر، البداية يجب أن تكون من حلفاء الدولة السورية، أي روسيا وإيران، حيث تلفت إلى أن موسكو، المُنهكة بسبب الحرب في أوكرانيا، لا تستطيع أن تلعب الدور السابق، كما أن لديها مصالحها مع أنقرة، التي تمنعها من الصدام المباشر معها، وبالتالي هي تفضل الحل الدبلوماسي، وكانت تسعى، منذ سنوات، للوصول إلى تفاهمات سورية تركية، كما أن لديها مصالحها في أوكرانيا، المرتبطة بعودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

بالنسبة إلى طهران، فهي أيضاً مُنهكة بسبب التطورات التي شهدتها المنطقة، منذ السابع من تشرين الأول من العام 2023، لا سيما بعد الضربات التي تعرضت لها كل من حركة "حماس" و"حزب الله"، وهي تدرك جيداً أن الهدف إضعاف نفوذها الإقليمي، في حين هي لا تزال في مرحلة الإحتواء، من دون تجاهل أوضاعها الإقتصادية الداخلية، بالإضافة إلى مصالحها مع أنقرة أيضاً.

بالإنتقال، إلى الجهات الأخرى، التي تُصنف على أنها معادية لدمشق، تشير المصادر نفسها إلى أن سرعة العملية العسكرية تؤكد أن أنقرة كانت تُحضر لها منذ أشهر، لا سيما أن الجميع يدرك أن الفصائل المعارضة ما كانت لتقوم بأي تحرك دون غطاء كامل منها، بالرغم من كل التصريحات التي كانت تصدر عن مسؤولين أتراك، وتدعو إلى تطبيع العلاقات مع دمشق.

هنا، تلفت المصادر المتابعة إلى أنه بالإضافة إلى الأطماع التوسعية التركية، لدى أنقرة مشكلة داخلية تتعلق بإعادة اللاجئين السوريين، ما يدفع إلى التوقف عند محاولات الفصائل المعارضة طمأنة سكان المناطق التي دخلوا إليها، بالتزامن مع الحديث عن عودة المهجرين منها، لكن لدى تركيا مشكلة كبرى، تكمن بأن الفصيل الذي يقود المجوعات المعارضة هو "هيئة تحرير الشام"، أي "جبهة النصرة" سابقاً المُصنفة منظمة إرهابية، التي لا تصلح أن تكون بديلاً أو شريكاً في أي تسوية سياسية.

بالتزامن، تسعى الولايات المتحدة إلى الظهور في موقع المراقب أكثر من الشريك في الأحداث، لكنها في المقابل ليست بعيدة عمّا يحصل، وهي طبعاً مستفيدة، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال إضعاف الدولة السورية، بالإضافة إلى إضعاف النفوذ الإيراني، كمقدمة نحو فرض تسوية على دمشق، تقود إلى المساهمة في قطع إمدادات "حزب الله" عبر أراضيها، بشكل يصب في صالح إسرائيل.

بالنسبة إلى تل أبيب، تذكر هذه المصادر بأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو كان قد وجه رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، قبل ساعات من إنطلاق عمليات فصائل المعارضة، خلال الإعلان عن موافقته على إتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، قائلاً له: "لا تلعب بالنار"، وتلفت إلى أن إسرائيل، التي تعتبر أنها نجحت في إضعاف "حزب الله"، ترى أن منع الحزب من إعادة ترميم نفسه وبناء قدراته من جديد، يتطلب القضاء على خطوط إمداده، التي تمر عبر سوريا.

وسط هذه الأجواء يأتي السؤال عن واقع الدولة السورية، التي قد تكون أكثر الجهات المُنهكة في المرحلة الحالية، في ظل الضبابية التي تسيطر على مواقف غالبية القوى الإقليمية والدولية، سواء الحليفة أو المعادية لها، وبالتالي قد لا تكون قادرة على التحرك بشكل سريع، في ظل أوضاعها الداخلية الصعبة، بالرغم من القرار الصادر عنها بمحاربة ما تعتبره إرهاباً.

في هذا المجال، ترى المصادر نفسها أن أي تحرك سريع من قبل دمشق ينبغي أن يأخذ بعين الإعتبار واقع الحلفاء، أي روسيا وإيران، بالإضافة إلى ضغوط الجهات المعادية لها، أميركا وإسرائيل وتركيا، لكنها في المقابل تستند إلى دعم غالبية الدول العربية، التي تدرك خطورة سيطرة الفصائل المعارضة على أمن المنطقة برمتها، لكنها لا تستطيع أن تقدم أكثر من الموقف السياسي، في حين أن دمشق، على ما يبدو، غير قادرة على الإعتماد على نفسها فقط، لا سيما أن أي إستعدادات لهجوم معاكس، من دون مساندة كبيرة من الحلفاء، ستحتاج إلى وقت طويل.

في المحصلة، يمكن الحديث عن أنه في ظل هذا التداخل في مصالح مختلف الجهات الإقليمية والدولية، لا يمكن حسم وجهة الأحداث في المرحلة المقبلة، إلا أن العنوان الأبرز، في الوقت الحالي، عدم وجود البديل السياسي عن الحكومة القائمة في دمشق، في مقابل السعي إلى فرض تسوية عليها، وفق شروط تصب في إطار المشهد العام الجديد في المنطقة، الأمر الذي قد يقود إلى المزيد من التدهور قبل نضوج ظروفها.