حتى الساعة، لا يزال الغموض يسيطر على مشهد جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، يوم الخميس المقبل، بالرغم من أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن تساعد زيارة الموفد السعودي يزيد بن فرحان في الحسم، لا سيما أنها عكست عودة إهتمام بلاده المباشر بالملف اللبناني، خصوصاً بعد التحول الذي سجل في الساحة السورية.
إنطلاقاً من ذلك، يجب الإنطلاق من المشهد السوري، لفهم حقيقة المواقف من الملف اللبناني، حيث لا تزال الرؤية، بالنسبة إلى هذا المشهد، ضبابية، ما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الواقع المحلي، لا سيما أن إحتمالات خروج الأمور عن السيطرة في دمشق كبيرة، من دون تجاهل إمكانية إندلاع صراع إقليمي على النفوذ، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك رغبة في إعادة التموضع في بيروت.
في الساحة اللبنانية، من الطبيعي الإشارة إلى وجود تكتلين كبيريين: الأول هو الذي يمثل قوى الثامن من آذار، أي الثنائي الشيعي بشكل أساسي، أما الثاني فهو الذي يمثل قوى المعارضة بقيادة حزب "القوات اللبنانية"، وبسبب التوازنات القائمة في البلاد سيكون من الضروري مشاركتهما في أي تسوية، على إعتبار أن كلاًّ منهما قادر على منع الآخر من إيصال مرشحه إلى القصر الجمهوري.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر النشرة"، إلى نقطة جوهرية، تكمن بالدخول الخارجي القوي على خط الإستحقاق الرئاسي، حيث بات من الواضح أنّ القوى الإقليمية والدولية الفاعلة تفضل إنتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون، بالرغم من أن بعضها لديه خيارات بديلة، في حال لم يكن من الممكن تأمين التوافق على إسمه، إلا أن الأساس، من وجهة نظرها، هو وجود الرغبة في حسم الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذه الرغبة تعود إلى القلق من تداعيات إستمرار الشغور الرئاسي في لبنان، خصوصاً أن هناك تهديدات كبيرة على الواقع الداخلي، سواء بالنسبة إلى إستمرار الخروقات الإسرائيلية لإتفاق وقف إطلاق النار، أو بالنسبة إلى إحتمال إنتقال أي توتر سوري داخلي إلى الساحة اللبنانية، على إعتبار أن هذا الأمر لا يمكن حصره، وهو ما يثير قلق جميع الدولة المجاورة لسوريا تحت عناوين مختلفة، أبرزها عودة تنظيم "داعش" الإرهابي إلى التحرك.
من حيث المبدأ، يمكن اليوم الحديث عن نصف كلمة سر خارجية، تقوم على أساس ضرورة إنتخاب الرئيس، بالإضافة إلى طرح الإسم المناسب، لكن من دون توفر الضغوط الكبرى التي تحسم المسألة، ما يعطي الأفرقاء المحليين القدرة على المناورة بعض الشيء، من دون تجاهل الحاجة إلى تقديم ضمانات معينة، تساهم في دفع بعض الأفرقاء إلى الإلتحاق بالتسوية المنتظرة.
في هذا المجال، تذهب مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى الإشارة إلى أن التكتلين الكبيرين لم يعلنا دعمهما ترشيح قائد الجيش، لكنهما في الوقت نفسه لم يذهبا إلى إعلان رفضهما ذلك، حيث تلفت إلى إعلان "حزب الله"، على لسان مسؤول وحدة التنسيق والإرتباط في "حزب الله" وفيق صفا عدم وجود "فيتو" على إسم، في حين أن "القوات"، الذي كان من أوائل المبادرين إلى طرح الإسم، يشير إلى أن العقبات، التي تحول دول وصوله، تكمن في مواقف الثنائي الشيعي و"التيار الوطني الحر".
من وجهة نظر هذه المصادر، ما تقدم يقود إلى أن إنتخاب قائد الجيش يحتاج إلى النصف الثاني من كلمة السر الخارجية، التي قد تأتي قبل موعد جلسة الخميس أو بعد ذلك، المتعلق بالضمانات، التي يحتاج لها كل تكتل من التكتلين الكبيرين، وتشير إلى أن ما ينبغي التوقف عنده هنا، هو أن القوى التي تملك القدرة على إعطاء تلك الضمانات، هي من تؤيد وصول عون إلى رئاسة الجمهورية.
في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى نقطة إضافية لا تقل أهمية، تكمن بأن السعودية، في المرحلة المقبلة، قد تكثّف من دخولها على خطّ الملفّ اللبناني، ربطاً بالتطورات السوريّة، على إعتبار أنها، بالرغم من الإنفتاح الذي تبديه على السلطة الجديدة في دمشق، تدرك أن النفوذ الأساسي هناك هو للجانب التركي، وبالتالي من مصلحتها منع تمدد هذا النفوذ نحو الساحة اللبنانية، عبر الذهاب إلى ملء الفراغ القائم بأسرع وقت ممكن.