بمعزل عن كل ما جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد حول استبدال قيادة حزب "البعث" وضرورة المحاسبة والتحديث في الاداء، فإن الحقيقة تبقى أن سوريا ركبت موجة التحولات الاقليمية والدولية، وبدأت تحضر نفسها للمرحلة المقبلة إيذاناً بالجلوس إلى طاولة مفاوضات دولية، تؤسس إلى حلول سياسية، لا تخلو في بعض محطاتها من عمليات جراحية قاسية، تساهم إلى حد ما في بلورة الوضع السياسي والميداني في المراحل الانتقالية التالية.
وبمعزل أيضاً عن التزامن بين اعادة هيكلة الائتلاف الوطني السوري المعارض، وانتقاله من الحضن القطري إلى الحاضنة السعودية واعادة هيكلة الحزب الحاكم، مع الاشارة إلى انعدام المصادفات في مثل هذه الحالات، فإن الدبلوماسية الشرقية تقرأ في الحدثين ترابطاً كاملاً مع كل المجريات التي تصفها بالتحضيرية للقاء الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين في أيلول المقبل، بيد أن جدول المواعيد الفاصل عن الموعد المذكور يصب في خانة التمهيد لما قد يتفق عليه الزعيمان من ترتيبات للعودة إلى الثنائية الدولية.
في هذا الاطار، يلاحظ دبلوماسي شرقي، متابع عن كثب لملف الشرق الأوسط، أن المتغيرات بدأت من ايران من خلال عملية موصوفة بالديمقراطية أدت إلى ابعاد التيار المتشدد لصالح الحركة الاصلاحية، مع ما يمكن أن تحمله من مصالحات داخلية وخارجية على سواء، من المرجح أن تبدأ معالمها بالظهور منتصف أب المقبل، أي بعد عملية التسلم والتسليم المقررة في الثاني من آب المقبل بين الرئيسين أحمدي نجاد وحسن روحاني، الذي يعمل فريقه على التحضير لاعادة التواصل مع السعودية، مروراً بقطر المنضوية حديثاً تحت لواء التغيير، والمشغولة باعادة ترتيب أولوياتها بعد الانتكاسات المتلاحقة التي منيت بها جراء سياساتها الخارجية التي لم تحقق المطلوب منها، وليس انتهاء بلبنان الواقف على عتبة تركيبة سياسية وأمنية جديدة، وتركيا التي تعيش هواجس الشارع والانقلاب، وأخيراً مصر الداخلة في متاهات النفق الأسود الذي يقود الى حرب ضروس على الاسلام السياسي.
بالعودة إلى الوضع السوري، يكشف الدبلوماسي عن بعض المعلومات المنقولة عن خارجية بلاده، فيؤكد أن الوضع العسكري في حمص بات في دائرة الحسم المحتوم، كما أن المحافظة بكاملها ستعلن قريباً منطقة آمنة، إضافة إلى أن العمليات ستستمر على وتيرتها في ريف دمشق حتى سيطرة النظام النهائية، في عملية لترتيب الوضع الميداني بصورة نهائية تليه عملية تفاوض بين النظام والائتلاف قد تنتهي إلى اتفاق على اجراء تغيرات سياسية في صميم التركيبة السورية.
ويخلص الدبلوماسي الى الاعتبار أن عملية التغيير الحاصلة في المنطقة، والتي شملت حتى الآن معظم الدول التي أدت أدوارها في أزمة المنطقة ستطال الدول كافة من دون استثناءات، وكل ذلك بعلم ومباركة من واشنطن وموسكو على حد سواء، فالأولى حصلت على ما تريده حتى الآن وتحولت إلى شرطي لمنابع الغاز ومعابرها، فيما الثانية على أهبة الاستعداد للشروع بالتحضير لانسحابها من أفغانستان خلال الاشهر القليلة المقبلة، وهي عازمة على عدم الانسحاب من دون اعادة ترتيب مصالحها وحمايتها في آسيا الوسطى، بما يعني عزماً على تسريع عمليات التفاوض المتعلقة بالعالمين العربي والاسلامي.